في خضم دخان الحرب المتصاعد من سماء الشرق الأوسط، وبين صوت الصواريخ وأزيز الطائرات، تجري أحداث كبرى تعيد رسم خارطة التحالفات والانقسامات في منطقتنا المنكوبة.
تدور اليوم رحى معركة محتدمة بين إيران وإسرائيل، حرب تخرج شيئا فشيئا من نطاق الظل إلى العلن، وتدخل مرحلة المواجهة المباشرة، بعد سنوات من الضربات المتبادلة بالوكالة، والاغتيالات، والهجمات السيبرانية، والضغوط الاقتصادية والسياسية.
لعل أقرب وصف للحال العربي والإسلامي اليوم هو ما تقوله الحكمة القديمة: أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب. لكن للأسف، الواقع تجاوز هذا المنطق. فنحن اليوم في كثير من الأحيان نجد أنفسنا أنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا وابن عمي مع الغريب.
إيران ليست شقيقا في كل مواقفها. نعم، نختلف معها كثيرا في سياساتها التوسعية، في تدخلها في شؤون العرب وفي تأجيجها للطائفية حينا.
لكننا مع ذلك لا نستطيع اليوم أن نقف موقف الحياد أو الشماتة أو حتى الصمت، وهي تواجه آلة الحرب الإسرائيلية، المدعومة عسكريا واستخباراتيا من قوى كبرى لا تخفي عداءها لكل ما يمت للشرق المسلم بصلة. وفي الوقت الذي تنهمر فيه النيران فوق رؤوس أهل إيران، لا تزال غزة تغرق في ظلام الحصار والموت، بلا ماء بلا دواء بلا أفق.تركناها وحدها تقاتل، حتى أنهكتها القنابل والجوع والعطش.
ومن المعيب أن نستنهض همم الشعوب لدعم إيران، بينما نغض الطرف عن غزة، وهي تقاتل منذ أشهر في معركة وجود لا تشبه أي معركة أخرى.
فما قيمة أن ندعي مواجهة إسرائيل بينما نغض الطرف عن أطفال غزة الذين يموتون جوعا في المستشفيات؟
وما قيمة أن نهتف الموت لإسرائيل ونقف مكتوفي الأيدي أمام مجازر لا تحتاج لعدسة لتوثيقها؟
وفي خضم هذه الأزمة، أين هو دور منظمة التعاون الإسلامي؟
أين التنسيق الإسلامي الحقيقي في وجه هذه العاصفة؟
لا نتحدث عن استعراضات خطابية، أو مؤتمرات بياناتها منسوخة من أرشيف سنوات ماضية، بل عن مواقف حقيقية، مواقف سياسية واضحة تدين العدوان وتدعمه من يُستهدف ظلما. ودعم اقتصادي ولوجستي حقيقي لإيران. ورفع الصوت عاليا في وجه ازدواجية المعايير الدولية التي تبرر العدوان إذا كان على خصومها، وتدين الضحية إن تجرأت على الرد.
الوقوف مع إيران في هذه اللحظة ليس تنازلا عن المبدأ.. بل تثبيت له أن نقف اليوم مع إيران وهي تتعرض للعدوان لا يعني أننا نؤيد تدخلاتها أو نسكت عن أخطائها. بل يعني ببساطة أننا نتمسك بأخلاقيات الموقف، ونضع الخلافات السياسية جانبا عندما تتحول الحرب إلى ظلم واضح، وعدوان مفضوح. السكوت اليوم خيانة، والحياد نفاق، والمراوغة سقوط أخلاقي وسياسي.
نحن في لحظة تاريخية لا تحتمل الحسابات الضيقة ولا الانتهازية السياسية، فإما أن نكون مع المظلومين جميعا - مهما اختلفنا معهم - أو لا نلوم الأجيال القادمة حين تضعنا جميعا في خانة المتواطئين. فليكن موقفنا واضحا: نختلف مع إيران؟ نعم. نرفض سياساتها أحيانا؟ نعم.
لكننا ضد العدوان عليها؟ بالتأكيد.ونرفض ترك غزة وحيدة؟ بلا نقاش.
وندعو كل الدول الإسلامية للقيام بواجبها؟ بكل قوة.
فالحق لا يقسم نصفين، والعدالة لا تجزأ.
[email protected]
للمزيد تابع
خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار الرياضية فى هذا المقال : في زمن النار والخذلان: الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران وغزة المنسية, اليوم الاثنين 16 يونيو 2025 06:39 مساءً
0 تعليق