150 دولاراً شهرياً تكبد عائلات بيروت أعباء «اقتصاد صهاريج المياه»

لم تعد أزمة المياه في لبنان مجرد عنوان للمعاناة اليومية التي يعيشها المواطنون، بل تحوّلت إلى نزيف اقتصادي متعدد الأوجه يهدد بانهيار قطاعات حيوية، ويقوّض ما تبقى من قدرة الدولة على تقديم أبسط الخدمات.
جفاف طبيعي وإهمال بشري
في بلد عُرف تاريخياً بأنه «خزان مياه الشرق»، تجتمع اليوم تداعيات الجفاف الطبيعي مع عقود من سوء الإدارة، لتخلق واقعاً مأساوياً، يُهدر معه أكثر من نصف المياه في شبكات مهترئة، بينما يزدهر اقتصاد موازٍ وغير منظّم لبيع المياه عبر الصهاريج، تاركاً المواطن والقطاعات الإنتاجية أمام خيارين: إما الرضوخ للابتزاز، أو العطش.
لبنان، البلد الشهير بغزارة مياهه وأنهاره، يعيش اليوم شحّاً غير مسبوق. وبحسب هيئة الأرصاد الجوية، فقد شهد العام الماضي فصلاً شتوياً جافاً بنسبة انخفاض في معدل هطول الأمطار تجاوزت 70% مقارنةً بالأعوام السابقة، ما أدى إلى جفاف الينابيع والأنهار، لا سيما في أماكن مثل بحيرة القرعون وسد الليطاني اللذين وصلا إلى أدنى مستوياتهما منذ عقود.
صوت المواطن بين الاستنزاف واليأس
تروي شهادات المواطنين في بيروت تفاصيل المعاناة اليومية مع شح المياه. يقول المواطن مجدي الجوهري، لـ«إرم بزنس»، إن توزيع المياه لم يعد عادلاً؛ إذ يحصل السكان على المياه لساعات معدودة تصل في أقصاها إلى 4 ساعات حسب حصة كل حي أو شارع، فيما البنية التحتية المتهالكة بسبب اهتراء الأنابيب تضيّع ما يصل من المياه قبل الوصول إلى المنازل.
أمام هذا الواقع، لم يجد كثير من الأسر حلاً سوى تقـليص الاستهلاك وشراء المياه أو الاعتماد على مياه غير مراقبة من حيث الجودة. أصوات المواطنين ترتفع مطالبة بالحق في المياه والخدمات، بينما تعجز الدولة عن سن تسعير رسمي أو رقابة على القطاع الخاص.
إذاً، كيف يتدبر أبناء بيروت أمورهم؟ يقول مجدي إن هناك تجارة رائجة جداً عن طريق الصهاريج، إذ يفرض أصحابها أسعاراً تصل إلى 10-15 دولاراً لقاء تعبئة صغيرة، واستهلاك اليوم في المتوسط بين 3 إلى 4 براميل أي حوالي 4 إلى 5 دولارات. ويضيف: «في المحصلة، تدفع العائلات نحو 150 دولاراً ثمناً للمياه شهرياً، ومثلها للكهرباء التي نشترك فيها مع أصحاب المولدات الكهربائية في الأحياء».
هذه الشهادات ليست مجرد شكاوى، بل هي مؤشر اقتصادي دقيق على انهيار العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن. تقول يعقوبيان إن الرقم المذكور (150 دولاراً شهرياً) يمثل «ضريبة فشل غير رسمية تفرضها الدولة بإهمالها على مواطنيها». والسبب يعود لأنه يُقتطع مباشرة من دخل الأسرة، ما يؤدي إلى تآكل حاد في قدرتها الشرائية ويقلص إنفاقها على بنود أساسية أخرى كالتعليم والصحة والغذاء. يعني هذا تحويل مورد عام أساسي (المياه) إلى سلعة باهظة الثمن خاضعة لمنطق السوق غير المنظم.