بعد 150 عامًا من الاكتشاف: مصر تنهي ترميم مقبرة “الأخوين” الأثرية بسوهاج لتعزيز السياحة الثقافية

في خطوة هامة نحو إحياء التراث المصري القديم ودعم السياحة الثقافية في محافظات الصعيد، أعلنت وزارة السياحة والآثار، ممثلة في المجلس الأعلى للآثار، عن إنجاز مشروع ترميم وصيانة مقبرة “الأخوين” الأثرية في مدينة أتريبس بسوهاج. هذا المشروع، الذي استغرق عامًا كاملًا من العمل المتواصل، يتماشى مع استراتيجية الدولة في الحفاظ على المواقع الأثرية وتطويرها. يقدم لكم موقع المواطن نيوز تفاصيل هذا الإنجاز التاريخي، الذي يعيد للحياة معلمًا أثريًا فريدًا بعد قرن ونصف من اكتشافه.
مقبرة “الأخوين”: موقع تاريخي وكنز فني فريد
مقبرة “الأخوين”، والمعروفة أيضًا باسم “مقبرة البروج”، هي معلم أثري يعود للقرن الثاني الميلادي، وتخص شقيقين هما “إيب باماني” و”با محيت”، ابني “حور نفر” و”تاشريت حور سجم”. تقع المقبرة بمدينة أتريبس الأثرية في نجع الشيخ حمد غرب مدينة سوهاج، وتُعد شاهدًا فنيًا فريدًا على العصر الروماني في مصر. تتكون المقبرة من حجرة استقبال مربعة الشكل، تعقبها حجرة دفن ذات تخطيط مثلثي، وبها كوة دفن مستطيلة على الجدار الغربي.
أبرز ما يميز المقبرة هو زخارفها الفلكية النادرة، خاصة السقف الذي يظهر عليه رسم لبرجين، يرمز كل منهما إلى أحد المتوفيين. بالإضافة إلى ذلك، تغطي الجدران والسقف وأرضية الكوة مناظر جنائزية مفصلة، تُقدم لمحة فريدة عن المعتقدات والطقوس الجنائزية في تلك الفترة. هذه التفاصيل الفنية الدقيقة تجعل المقبرة ذات قيمة تاريخية وجمالية استثنائية، وتساهم في فهم أعمق للحضارة المصرية الرومانية.
جهود الترميم والصيانة: دقة وحرفية عالية
اكتُشفت المقبرة قبل أكثر من 150 عامًا، وقد وثّق مناظرها لأول مرة عالم الآثار البريطاني وليم فلندرز بيتري خلال موسم الحفائر 1906–1907. ومنذ ذلك الحين، مرت المقبرة بالعديد من التحديات، مما استدعى هذا المشروع الشامل للترميم.
أكد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، أن الحفاظ على المواقع الأثرية وترميمها يمثل أحد المحاور الأساسية لعمل الوزارة، من منطلق قناعة راسخة بأن هذا التراث ليس فقط رمزًا للهوية الوطنية، بل أداة فعالة لنقل التاريخ والحضارة إلى الأجيال القادمة. وأشار إلى أن إعادة تأهيل مقبرة الأخوين يأتي ضمن خطة أوسع لفتح مزارات أثرية جديدة أمام الزوار، لا سيما المهتمين بالسياحة الثقافية، الأمر الذي يسهم في تعزيز التجربة السياحية ويحقق مردودًا اقتصاديًا يعود بالنفع على المجتمعات المحلية المحيطة بهذه المواقع.
من جانبه، أعرب الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، عن تقديره لفريق العمل الذي أشرف على المشروع، مؤكدًا أن الأعمال تمت بدقة وحرفية عالية. وشدد على أن صيانة الآثار المصرية هي مسؤولية وطنية تستدعي تضافر الجهود لضمان استدامتها واستثمارها في مجالات التعليم والثقافة والتنمية.
اقرأ أيضًا:تعزيز الأمن الحيوي: مصر تفحص 165 ألف رأس ماشية وتواجه تحديات الأمراض الوبائية لزيادة الإنتاج
تفاصيل فنية لعملية الترميم والتحديات التي تم التغلب عليها
أوضح محمد عبد البديع، رئيس قطاع الآثار المصرية، أن المشروع شمل ترميم الحجرة الأمامية وحجرة الدفن بالمقبرة. جرى تنفيذ عمليات توثيق شامل لحالة المقبرة قبل بدء الترميم، وذلك لرصد أماكن التلف وتحليل أسبابه، تمهيدًا لتنفيذ أعمال الصيانة وفقًا لأحدث المعايير العلمية والفنية. هذه الخطوة حاسمة لضمان أن تكون عملية الترميم مستندة إلى أسس علمية دقيقة.
في السياق نفسه، أوضحت الدكتورة منال الغنام، رئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم، أن عملية الترميم تضمنت تنظيف الأسطح داخليًا باستخدام الوسائل الميكانيكية والكيميائية المتخصصة، التي تضمن إزالة الأوساخ والتراكمات دون الإضرار بالنقوش والألوان الأصلية. كما تم تثبيت طبقات الألوان والملاط التي كانت معرضة للتلف، بالإضافة إلى ترميم الأجزاء المتآكلة باستخدام مواد ملائمة لطبيعة الأثر لضمان الحفاظ عليه دون الإخلال بأصالته. هذه العملية المعقدة تتطلب خبرة ودقة فائقة للحفاظ على القيمة التاريخية والفنية للمقبرة.
اقرأ أيضًا: لغز “الميركاتو الكبير”: هل تُصبح “مقبرة النجوم” في مدريد بوابة ذهبية للكنوز السعودية؟!
أتريبس: موقع أثري متكامل ومركز للرهبنة في مصر القديمة
لا تقتصر أهمية المشروع على المقبرة بحد ذاتها، بل تمتد لتشمل مدينة أتريبس ككل. تُعد أتريبس إحدى أبرز المدن الأثرية في صعيد مصر، وتقع ضمن الإقليم التاسع من أقاليم مصر العليا. تضم المدينة معابد، محاجر، جبانات، منشآت سكنية، وورشًا صناعية. إضافة إلى ذلك، تشمل الموقع ديرًا للراهبات وقلايات وكنيسة تعود للقرن السادس الميلادي، مما يجعلها من المواقع المتكاملة التي تعكس مراحل تاريخية متعددة، من العصور الفرعونية إلى الرومانية والقبطية. كما أنها من أوائل مراكز الرهبنة في مصر القديمة، مما يضيف بعدًا دينيًا وتاريخيًا فريدًا للموقع.
إنهاء ترميم مقبرة “الأخوين” يمثل خطوة مهمة في مسار تطوير السياحة الثقافية في سوهاج والصعيد، ويفتح أبوابًا جديدة للباحثين والزوار لاستكشاف كنوز مصر الأثرية الغنية. هذه الجهود لا تسهم فقط في حماية التراث، بل تدعم أيضًا التنمية الاقتصادية للمناطق المحيطة بالمواقع الأثرية، وتجذب المزيد من الزوار ليتعرفوا على عظمة الحضارة المصرية القديمة.