مصر تعيد إحياء صناعة الحرير الطبيعي: مشروع قومي رائد في الوادي الجديد

في خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، تواصل مصر جهودها الحثيثة لإحياء وتوطين صناعة الحرير الطبيعي، التي كانت ذات يوم من الصناعات المزدهرة في البلاد. يقدم لكم المواطن نيوز تفاصيل هذا المشروع القومي الطموح، والذي يتركز بشكل أساسي في محافظات الصعيد، مع التركيز على محافظة الوادي الجديد كمركز رئيسي لإطلاق هذه الصناعة الواعدة مجددًا نحو العالمية.
الوادي الجديد: قلب مشروع إحياء صناعة الحرير
تُعد محافظة الوادي الجديد في صدارة اهتمامات الدولة في مشروع إحياء صناعة الحرير الطبيعي. مؤخرًا، شهدت المحافظة اجتماعات مكثفة لبحث آخر المستجدات المتعلقة بإنشاء مركز لإنتاج الحرير الطبيعي بمدينة الخارجة. هذا المركز، الذي سيُعد الأول من نوعه على مستوى الجمهورية، يعكس جدية الدولة في هذا التوجه. المشروع الضخم يمتد على مساحة إجمالية تصل إلى 250 فدانًا، وقد تم وضع خطة تنفيذية متكاملة تتضمن كافة التفاصيل الفنية والمالية، بالإضافة إلى دراسات جدوى شاملة لضمان نجاحه. يشمل ذلك تحديد أدوار ومهام كافة الوزارات والجهات المعنية، وتكاليف الميكنة الزراعية، وإنشاء الآبار ومحطات الطاقة، وبناء الصوب الزراعية وعنابر تربية ديدان الحرير، وصولًا إلى مجمع الشرانق وخطوط إنتاج الحرير. هذا التخطيط الدقيق يهدف إلى إنشاء صناعة متكاملة، من زراعة التوت وحتى إنتاج الحرير الخام. الدكتور مجد المرسي، وكيل وزارة الزراعة بالوادي الجديد، أكد أن المشروع يأتي تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية الرامية إلى إحياء هذه الصناعة الاستراتيجية. وقد تم ضغط المدة الزمنية لتنفيذ المشروع من خمس سنوات إلى ثلاث سنوات فقط، مع التركيز على زراعة 100 فدان بأشجار التوت خلال هذه الفترة. ومن المتوقع أن يشهد عام 2027 بدء التشغيل الفعلي لعنابر تربية ديدان الحرير، مع إيلاء اهتمام خاص لتدريب الكوادر البشرية وتأهيلهم لإدارة المشروع باحترافية عالية، لضمان استمرارية ونجاح العملية الإنتاجية.
شراكة القطاع الخاص وأهداف استراتيجية للمستقبل
لا يقتصر مشروع إحياء صناعة الحرير على جهود القطاع الحكومي فحسب، بل تعتمد الخطة على إشراك القطاع الخاص إلى جانب جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر. هذه الشراكة تهدف إلى ضمان استدامة المشروع وتحقيق الجدوى الاقتصادية المرجوة منه. الهدف الأكبر لهذا المشروع القومي يتجاوز مجرد توفير الحرير؛ فهو يهدف إلى توطين صناعة الحرير في مصر بالكامل، مما سيفتح آفاقًا جديدة للاستثمار الزراعي والصناعي في البلاد. الأهم من ذلك، أن المشروع سيساهم بشكل كبير في توفير فرص عمل مستدامة لأبناء محافظة الوادي الجديد والمناطق المجاورة، مما يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق. على المدى الطويل، تطمح مصر إلى تقليل معدلات الاستيراد من الحرير الخام والمنتجات المصنعة منه، بل وتطمح إلى التحول لمركز إقليمي لإنتاجه وتصديره، مستفيدة من الإمكانات الزراعية والبشرية الهائلة لديها. هذا التوجه يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.
اقرأ أيضًا:توطين صناعة الألبان في مصر: 7 خطوات استراتيجية لزيادة الإنتاج ودعم القطاع
توصيات للنهوض بالصناعة وحصاد الفرص العالمية
لتحقيق أقصى استفادة من هذا المشروع الواعد، أصدر معهد بحوث الاقتصاد الزراعي تقريرًا يتضمن عددًا من التوصيات الهامة للنهوض بصناعة الحرير في مصر. من أبرز هذه التوصيات، الاهتمام بزراعة أشجار التوت على جانبي الترع والمصارف، وهي خطوة تخدم هدفين في آن واحد: توفير الغذاء اللازم لديدان القز، والمساهمة في تقليل معدلات التلوث بزيادة نسبة الأكسجين وخفض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، مما يعكس رؤية تنموية مستدامة. كما أوصى التقرير بعمل نماذج تطبيقية مشابهة لتلك المنفذة في دول رائدة مثل الصين والهند، سواء كانت يدوية أو ميكانيكية، لتشمل جميع مراحل صناعة الحرير من التربية وحتى الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، شدد التقرير على ضرورة زيادة توفير القروض الميسرة لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وذلك لتمكين الأسر المنتجة، المرأة المعيلة، والشباب من الانخراط في تربية دود القز وإنتاج الشرانق، وصولًا إلى تمويل عملية حل الحرير. ولتعزيز الجانب التسويقي، أوصى التقرير بزيادة الاهتمام بإقامة المعارض الداخلية والخارجية لتنشيط تسويق السجاد والمنتجات المصنعة من الحرير المصري. تأتي هذه التوصيات في وقت تشير فيه التقارير العالمية إلى أن القيمة السوقية لصناعة الحرير تصل حاليًا إلى نحو 20 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 44 مليار دولار بحلول عام 2030. وبالرغم من ذلك، تظل حصة مصر والدول العربية من هذا السوق العالمي ضئيلة جدًا، مما يؤكد على أهمية هذه الجهود الوطنية لتطوير وتنمية هذه الصناعة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا القطاع الحيوي الواعد.