مسلمون بلا شعائر.. من هم الدروز وما هي عقيدتهم وما سر ارتباطهم بمصر؟!

بينما تشتعل محافظة السويداء جنوب سوريا بمواجهات مسلحة واحتجاجات سياسية غير مسبوقة، تعود الأنظار مجددًا إلى الطائفة الدرزية. هذه الطائفة ليست مجرد مكون ديموغرافي وسياسي مؤثر في معادلة الجنوب السوري، بل هي أيضًا جماعة دينية غامضة تُحيط معتقداتها وطقوسها بكثير من السرية. يُقدم لكم موقع المواطن نيوز في هذا المقال تحليلًا معمقًا لواقع الدروز في السويداء، مع استعراض لجذور عقيدتهم، بنيتهم الدينية، وموقفهم المعقد بين المبادئ الدينية والاضطرابات السياسية الراهنة.
الدروز: جذور تاريخية وعقيدة باطنية
تُشير المصادر التاريخية إلى أن الدروز ينتمون إلى طائفة دينية تأسست في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي، خلال حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. انطلقت الدعوة في مصر، لكنها استقرت لاحقًا في جبل لبنان وسوريا وفلسطين. انبثقت العقيدة الدرزية من الفكر الإسماعيلي الشيعي، لكنها سرعان ما تطورت إلى منظومة دينية مستقلة، تدمج بين الفلسفة والأفلاطونية المحدثة والتأويل الباطني للقرآن.
يعتمد المعتقد الدرزي، وفق ما يورده الباحث كمال الصليبي في كتابه “تاريخ لبنان الحديث”، على “الإيمان بالتوحيد العقلي لله، ونبذ الطقوس والشعائر الظاهرية، والالتزام بالسرية في تداول النصوص الدينية التي لا يطلع عليها إلا ‘العقال’ من أبناء الطائفة”. هذا الجوهر الباطني للعقيدة هو ما يُميز الدروز عن غيرهم من الطوائف الدينية.
“الموحدون”: جوهر التوحيد والعقل في العقيدة الدرزية
يُطلق الدروز على أنفسهم لقب “الموحدين“، ويعتبرون أن التوحيد هو أرقى مراتب الإيمان، ولا يتحقق إلا عبر إدراك عقلي مجرد. شرح الباحث اللبناني فؤاد افرام البستاني في موسوعته “دائرة المعارف” أن “التوحيد عند الدروز لا يعني فقط الإيمان بإله واحد، بل تجاوز الأديان الموروثة والارتقاء إلى مرتبة الحقيقة الواحدة التي تعلو فوق الطقوس”.
في هذا السياق، لا ترفض العقيدة الدرزية مبدأ التناسخ الروحي فحسب، بل تعتمده كجزء مركزي من إيمانها. يُعتقد أن الأرواح لا تفنى بل تنتقل من جسد إلى آخر ضمن الطائفة ذاتها، وفق ما جاء في كتاب “النقطة البيضاء في تاريخ الدروز” للشيخ أمين طريف، أحد أبرز المرجعيات الدينية الدرزية في فلسطين. هذا المبدأ يُعد من أبرز السمات الفريدة للعقيدة الدرزية.
التراتبية الدينية: العقال والجهّال وانغلاق المجتمع
تنقسم الطائفة الدرزية إلى فئتين رئيسيتين:
- “العقال“: وهم من التزموا بالعهد الديني وباتوا مطلعين على النصوص الدينية السرية، ويُشكلون النخبة الروحية والعلمية في الطائفة.
- “الجهّال“: وهم عموم أبناء الطائفة غير المكلفين دينيًا، ولا يُسمح لهم بالاطلاع على كتب الحكمة، وهي النصوص الدينية السرية التي تُشكل عماد العقيدة.
وقد شرح المفكر اللبناني أمين الريحاني هذه البنية في كتابه “ملوك العرب”، حيث قال: “لا يعرف الدروز كنيسة ولا قسيسين، بل مشايخ عقال يؤدون الوظيفة الدينية والتربوية، ويفصلون في شؤون الناس على قاعدة دينية وأخلاقية”. هذا التنظيم يُعزز الطابع الانغلاقي للمجتمع الدرزي، والذي يتجلى أيضًا في منع الزواج من خارج الطائفة.
دروز السويداء: بين العقيدة والثورة
رغم البنية العقائدية المحافظة التي تُجنبهم الانخراط في “فتن دامية”، فإن السويداء تشهد منذ عام 2011 حالة تمرد متصاعدة ضد السلطات المركزية في دمشق، مما طرح تساؤلات حول مدى تأثير العقيدة على القرار السياسي. مع تصاعد الاشتباكات مؤخرًا بين مجموعات محلية مسلحة وعناصر تابعة لحزب الله والفرقة الرابعة، ظهرت انقسامات داخل المؤسسة الدينية الدرزية نفسها. تبرز هذه الانقسامات بين مشيخة العقل الرسمية التي تتبنى خطابًا مهادنًا تجاه النظام، ومشيخات مستقلة تُدعم الحراك الشعبي.
يُفسر الباحث السوري خلدون حسن النقيب في دراسته “الطائفة والدولة” أن “الدرزية كعقيدة لا تُعنى بمشروع سياسي جماعي، لكنها تُنتج ولاءً شديدًا للجماعة الدينية، وهو ما يجعل الدروز متماسكين اجتماعيًا، لكن غير موحدين سياسيًا”. هذا التماسك الاجتماعي يُفسر قدرتهم على الحفاظ على هويتهم، بينما يُمكن أن يُسبب لهم تحديات في توحيد المواقف السياسية.
دين بلا شعائر وحضور سياسي بارز
لا تتضمن العقيدة الدرزية صلوات جماعية أو صوم رمضان أو حج، وتُعتبر الصلاة شكلية. بل تتركز العبادة على التأمل والقراءة الباطنية للنصوص، والاجتماعات الأسبوعية في “الخلوات”، وهي أماكن العبادة الخاصة بالطائفة. هذا الغياب للطقوس، وفقًا لما يوضحه كتاب “عقائد الدرزية” للشيخ محمد أبو شقرا، لا يعني غياب الدين، بل “تحويل الممارسة الدينية إلى مسار باطني خالص لا يُظهر للعلن”.
مع ذلك، لم تمنع هذه العزلة الدينية الدروز من أداء أدوار سياسية بارزة، خاصة في لبنان وسوريا، إذ شاركوا في كل المراحل الحاسمة من تاريخ البلدين، من الثورة السورية الكبرى إلى الانقلابات والانتفاضات، مما يُظهر قدرتهم على التكيف مع التحديات السياسية رغم طبيعة عقيدتهم.
مستقبل الدروز: بين العقيدة وتحديات البقاء
اليوم، ومع تصاعد العنف في السويداء، يجد الدروز أنفسهم أمام تحدي مزدوج: الحفاظ على عقيدتهم التي ترفض الانخراط في “فتن دامية”، وفي الوقت نفسه، الدفاع عن أمنهم في منطقة باتت محط أنظار أطراف داخلية وخارجية. يحذر محللون من استغلال الانقسام العقائدي والديني داخل الطائفة لإضعاف موقفها السياسي في جنوب سوريا. ومع تصاعد القلق من تدخلات إقليمية، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن العقيدة الدرزية التي قامت على السرية والحياد من الصمود أمام عاصفة الانقسام والانفجار الأمني؟