نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حول تحويل تدبير قطاع الصحة إلى المجموعات الصحية الترابية, اليوم السبت 3 مايو 2025 12:25 صباحاً
في خضم التحولات الهيكلية التي يعرفها قطاع الصحة بالمغرب، يأتي قرار تحويل تدبير هذا القطاع الحيوي من المديريات الجهوية والمندوبيات الإقليمية إلى المجموعات الصحية الترابية (GHT - Groupements Sanitaires Territoriaux) كخطوة أثارت الكثير من الجدل والقلق، سواء داخل الأوساط الحقوقية أو المجتمعية. فبين من يراها ضرورة لتنزيل الجهوية المتقدمة وتعزيز النجاعة في الأداء، ومن يعتبرها خطوة نحو "خصخصة مقنعة" للصحة، يظل المواطن المغربي المتضرر الأول في معادلة الإصلاح المزعومة.
الإطار القانوني: بين الاستقلالية والرقابة
استند هذا التحول إلى القانون الإطار رقم 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، والذي صدر تنفيذاً لتوجيهات النموذج التنموي الجديد، ويهدف إلى إعادة هيكلة العرض الصحي بالمغرب عبر إحداث مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي.
وينص القانون المذكور، وخاصة في المادة 16، على أن "المجموعة الصحية الترابية تُعتبر شخصاً اعتبارياً من أشخاص القانون العام، وتتمتع بالاستقلال المالي، وتُسير من قبل مجلس إدارة يتكون من ممثلين عن الدولة، الجماعات الترابية، المجتمع المدني، ومهنيي الصحة". كما يخضع تسييرها للمراقبة المالية المنصوص عليها في القانون التنظيمي رقم 130.13 المتعلق بقانون المالية، ولا سيما من طرف المفتشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات.
تخوفات مشروعة من تقهقر الخدمات المجانية
رغم الضمانات القانونية، إلا أن تخوفات الشارع المغربي تظل مشروعة، خصوصاً أن التجارب السابقة مع المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري أو المالي أظهرت في الغالب غلبة منطق الربح على منطق الخدمة العمومية. ومن هذا المنطلق، فإن منح الاستقلال المالي للمجموعات الصحية الترابية، وحقها في التعاقد مع الفاعلين الخواص، يُنذر بإمكانية فرض رسوم جديدة على الخدمات الصحية الأساسية.
ويعزز هذا التخوف ما سبق أن أبانت عنه سياسة "الدعم الاجتماعي" التي رافقت حذف نظام "راميد"، إذ تم إقصاء فئات واسعة من المواطنين دون مبرر واضح، مما جعلهم خارج دائرة الحماية الصحية والاجتماعية، بل وأكثر عرضة للحرمان من الولوج إلى العلاج، في غياب أي آليات تظلم فعالة.
مخاطر التسيير المحلي دون آليات الرقابة الصارمة
لقد كانت تجربة المديريات الجهوية والمندوبيات الإقليمية للصحة، رغم هشاشتها، كاشفة عن حجم الإشكالات البنيوية التي يتخبط فيها القطاع، من سوء تدبير، وغياب الحكامة، وتدخلات الزبونية والمحسوبية، وحتى تجاوزات إدارية ومالية أحياناً. واليوم، فإن تحويل المسؤولية إلى كيانات جديدة دون تطعيمها بآليات صارمة للمحاسبة والرقابة، قد يُفاقم الوضع عوض إصلاحه.
كما أن غياب الكفاءات التدبيرية الجهوية في العديد من المناطق، وضعف البنية التحتية واللوجستيكية، قد يجعل هذه المجموعات الصحية الترابية عاجزة عن تقديم خدمات لائقة، ويُكرّس التفاوت المجالي بين الجهات.
نحو تمييع الحق الدستوري في العلاج؟
وفق الفصل 31 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، تلتزم الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في العلاج والعناية الصحية. غير أن هذا الالتزام يبدو مهدداً، في ظل تنامي توجهات “الليبرالية” التي بدأت تزحف على القطاعات الاجتماعية، وعلى رأسها الصحة.
وفي غياب ضمانات واضحة تضمن المجانية الفعلية للعلاج، وبحضور مؤشرات واقعية على "تجزيء" الخدمات وتفويتها، فإننا نكون أمام انحراف خطير عن روح الدستور، وانتهاك غير معلن لحق المواطن المغربي في الولوج العادل والمنصف إلى العلاج.
خلاصة
إن الإصلاح الحقيقي لقطاع الصحة لا يمر عبر تبديل الهياكل الإدارية فقط، بل يجب أن يكون إصلاحاً شاملاً، ينطلق من إرادة سياسية صادقة، ويعتمد مبادئ الحكامة الجيدة، ويضع المواطن في قلب أولوياته. أما في ظل غياب الشفافية، ووضوح الرؤية، والاستماع لصوت الفئات الهشة، فإن هذه التحولات قد لا تكون إلا غطاءً لبداية خصخصة تدريجية لقطاع هو في الأصل خدمة عمومية لا تقبل المساومة.
0 تعليق