مسرحية "وراك" لأوس إبراهيم... لعبة الوجود بين الوهم والحقيقة

تورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مسرحية "وراك" لأوس إبراهيم... لعبة الوجود بين الوهم والحقيقة, اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 01:29 مساءً

مسرحية "وراك" لأوس إبراهيم... لعبة الوجود بين الوهم والحقيقة

نشر في باب نات يوم 28 - 05 - 2025

babnet
قدم المخرج الشاب أوس إبراهيم العرض الأول لعمله المسرحي الجديد "وراك"، مساء الثلاثاء بمسرح التياترو بالعاصمة. وهذه المسرحية التي كتب نصها أيضا أوس إبراهيم هي تجربة تستنطق الوهم والمصير وتطرح أسئلة فلسفية وجودية من خلال مقاربة درامية تشتبك فيها الرغبة بالخوف والمصير بالقرار والواقع بالوهم.
يمتد العرض على مدى نحو ساعة. وتدور أحداثه حول مجموعة من الأشخاص يُستدرجون للمشاركة في لعبة غامضة. لا يعرفون القوانين ولا الجائزة، لكن الدافع القوي للمشاركة هو الوعد ب"فرصة واحدة لتغيير شيء في ماضيك أو مستقبلك، إن كنت تملك الشجاعة". هذه الفرضية تفتح بابا على مستويات متعددة من التوتر والتساؤل، إذ تتجلى داخل المسرحية على شكل تجارب أو اختبارات تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة تحت وطأة الخوف من "الموت" الذي يتهدد من يفشل.
وأدى أدوار العرض كل من يحيى فايدي ومنال بكوري ومحمد بوزيد وبوبكر الغناي وفريال بن بوبكر. وقد بدت الشخصيات متشظية مسكونة بالخوف والرغبة الخضوع والتمرّد.
يستوقف المتلقي، من الوهلة الأولى، عنوان العرض "وراك" وهو عنوان محمّل بدلالات كثيفة تحتمل التأويل على مستويات عدّة. فهو يحيل إلى ما خلفك أي إلى ماض قد يطاردك أو قرار مضى لكنه ما يزال يلقي بظلاله على الحاضر. و"وراك" أيضا يمكن قراءته كتحفيز على الالتفات لما أهملته لما لم تراه وأنت ماض نحو المستقبل. وقد وظف المخرج هذه الدلالة بشكل ذكي في نص العرض حين استخدم صورة ذيل القط كمؤشر على ردة الفعل أي أن ما يوجد "وراءك" هو الذي يكشف حقيقتك أو نيتك تماما كما يفهم من تحرّك ذيل هذا الحيوان.
لكن المفارقة الكبرى، وهي قلب المسرحية، أن الجمهور يكتشف في النهاية أن كل ما حدث لم يكن سوى محاكاة، إذ لم يكن هناك موت حقيقي ولا تهديد واقعي وإنما كان الأمر اختبارا نفسيا لمعرفة كيف يتصرف الإنسان حين يُوضع تحت ضغط القرار ولحظة الحسم. وهذه الحبكة المتقلبة تحيل مباشرة إلى ثيمات فلسفية حول الإرادة والاختيار والقدر.
لقد قدّم أوس إبراهيم رؤية إخراجية تقوم على مفارقة بين الواقعي والغرائبي وبين الجدية والعبث بشكل يقارب مفاهيم مسرح التغريب كما عرّفها "بريشت" دون أن يقع في استنساخ آلي. وقد اعتمد على أداء حركي مشحون بالانفعال وعلى فضاء بصري غير مألوف يدفع المتفرّج للتماهي والتساؤل في آن واحد.
وتميّزت الإضاءة بكثافة دلالاتها ومقاصدها حيث استُخدمت ألوان مثل الوردي في توافق مع آلة تُسمّى داخل العرض "آلة الرغبة"، ذات اللون الوردي كذلك، في إحالة ذكية إلى العلاقة بين الرغبة والاختيار. كما وُظّفت المؤثرات السمعية للتعبير عن هذا الفضاء الغرائبي غير المألوف حيث اعتمدت الموسيقى المصاحبة على نغمات إلكترونية غريبة تخلق إحساسا بعدم الاستقرار النفسي والوجودي بما يخدم طبيعة اللعبة المسرحية التي لا يعرف المتلقي قواعدها.
أما الملابس والمكياج، فقد جاءت لتعزيز الغرابة والانفصال عن العالم الواقعي مع إصرار على خلق شخصيات يبدو أنها من عالم مواز أو ربما من واقعنا لكن بعد مروره في مصفاة الحلم أو الكابوس.
وكانت السينوغرافيا التي وظّفها أوس إبراهيم إحدى أعمدة العرض الأساسية حيث جاءت بسيطة لكنها مشبعة بالرموز. وقد ركّز الفضاء على عناصر قليلة لكن دالة أبرزها "آلة الرغبة" التي تمثل محور التفاعل والاختبار وكأنها تجسيد مادي لفكرة الاختيار الحر. كما تمّ اللعب بالأضواء والظلال لخلق فضاءات وهمية داخل خشبة المسرح ما يعكس تعدد المستويات الزمنية والذهنية التي يتحرك فيها العرض.
تحمل المسرحية قضايا فلسفية بشكل واضح. فهي تُقارب موضوع الإرادة والاختيار البشري من خلال السؤال: هل يمكن للإنسان تغيير ماضيه أو التحكم بمستقبله؟ وهل يملك حريته فعلا أم هو أسير قرارات لحظية تُفرض عليه تحت ضغط الخوف أو الرغبة؟ كذلك هناك بعد ديني فلسفي يلوّح في الخلفية: مسألة القدر ومدى حرية الإنسان في مواجهة ما كُتب له.
واستطاع المخرج أوس إبراهيم زعزعة يقين المتفرّج من خلال إقحامه داخل لعبة تشبه حياته حيث يجبر على اتخاذ قرارات لا يعرف نتائجها. ويعيد صياغة السؤال الأزلي: "من نحن؟ وإلى أين نمضي؟ وهل يمكن أن نعود"؟

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق