نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصحافة اليوم: 25-6-2025, اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025 08:08 صباحاً
تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاربعاء 25 حزيران 2025 العديد من الملفات المحلية والاقليمية والدولية …
الاخبار:
معنى أن تصمد إيران بوجه العالم
منذ توقفت الحرب بشكلها المفتوح من الجانبين في لبنان، طرأ تطور كبير على خطاب المقاومة. وصار لزاماً الإقرار بأنّ لغةً ما لم تعدْ صالحة لمخاطبة العقل الجمعي، حول مستقبل المواجهة مع عدوّ لا يمكن العيش معه.
منذ توقفت الحرب بشكلها المفتوح من الجانبين في لبنان، طرأ تطور كبير على خطاب المقاومة. وصار لزاماً الإقرار بأنّ لغةً ما لم تعدْ صالحة لمخاطبة العقل الجمعي، حول مستقبل المواجهة مع عدوّ لا يمكن العيش معه. والصمت عن كثير من التفاصيل، ليس سببه نقصاً في القدرة على الكلام، بل هو من النوع الذي يتوجّب على كل عاقل أن يلتزم به، ليكون بمقدوره، في يوم ما، الحديث عن حقيقة ما حصل معنا في هذه الحرب الخبيثة. وهذا عنصر أساسي في المراجعة.
كما أنّ الصمت عن كل ما يحضّر له بقية القوم، وهم كثر جداً، هو سياسة بحد ذاته، ولو أن جمهور المقاومة في لبنان والمنطقة سيتعب من ثقله. لكن علينا أن ندرّب أنفسنا، على أنّ الخطاب التعبوي الذي كان سائداً، وكان له ما يبرّره، وكانت له موجباته ومنابره وسادته، ليس هو ما تحتاجه المرحلة الراهنة، ولا حتى القادم من أيام استعادة زمام المبادرة.
على هذا النحو، يُفضّل التعامل مع الحرب الأميركية – الإسرائيلية على إيران بخطاب عقلاني إلى أبعد الحدود. فالعاطفة لا تحتاج إلى صفّ كلام، بل يكفي وجود قائد محبوب وموثوق، كالسيد الخامنئي، للتعويض عن ألف خطبة تعبوية. لا سيّما أنّ الرجل ليس مضطراً لاستعارة القلب ليصل إلى العقل. بل هو صاحب خطاب دقيق وواضح، يكفي زاداً لرحلة طويلة في مواجهة السرطان الصهيوني.
اليوم، دخلنا في مرحلة اختبار جديدة. لم تظهر بعد ملامح السياسة التي تريد أميركا وإسرائيل اتّباعها في مواجهة إيران – الدولة وإيران – الثورة. لكننا نعرف أن لدينا عقلاً يساعدنا على قياس الأمور، كي نقارب نتائج ما حصل، بعيداً عن رغبوية مراهقة، وأن نكون أكثر التصاقاً بأفكار واقعية، لا تلغي كل طموح بإزالة إسرائيل من الوجود. ولذلك، قد يكون الأنسب، إعادة رسم الأهداف المعلنة وغير المعلنة للحرب، حتى نتحدّث عن النتيجة. وهي أهداف كبيرة، وما حصل خلال الأيام الـ11، حلقة في مسلسل طويل. وعلينا التصرّف على هذا الأساس، ليس لأنّ العدوّ غدّار ولئيم، بل لأنّ هدفه الأساسي لم يتحقّق.
بدايةً، اتّفقت أميركا وإسرائيل على أنّ خطر تسلّح إيران بالقنبلة النووية سبب كافٍ لإطلاق حرب مدمّرة. ثم أضافتا عليه خطر تصنيع وامتلاك واستخدام ترسانة من الصواريخ تعوّض النقص الهائل في سلاح الجو. ورأتا أنّ بامكانهما كسر هيبة النظام في إيران أولاً، وتفريق شمل قيادته المركزية والعسكرية والسياسية ثانياً، ودفع الناس، ثالثاً، إلى حال من الخوف تسبق الفوضى بوجه الحكم. ولذلك عملتَا، كما تجيدان، على بناء قاعدة عمليّاتية داخل إيران نفسها، استناداً إلى جهد استخباراتي مذهل من حيث حجمه ونوعيّته وفعاليته.
وهو جهد، لم يقتصر على جمع المعلومات الضرورية، بل أسّس لإنتاج فرَق موت تعمل على الأرض أثناء الحرب، على أن يترافق ذلك مع حملة سياسية وإعلامية لحثّ الناس على الانتفاضة. وتدرّج العمل وفق البرنامج المقرّر، من فجر اليوم الأول، مع الضربة – الصدمة، وصولاً إلى قرار واشنطن الدخول في الحرب من زاوية محدّدة (يرجّح أنّ دور أميركا طرأ عليه تعديل جوهري ولهذا أسبابه). وما بين الخطوتين، تركّز الجهد العسكري على قوة نارية مستمدّة من قدرات هائلة في الأسلحة والذخائر.
ما حصل يؤكّد الآتي:
أولاً، فشلت الضربة الأولى في إفقاد إيران القدرة على السيطرة. جاءت الاغتيالات في توقيت صعب، لكنها لم تكن إقفالا لدائرة، بل على العكس، دلّت الأيام اللاحقة أن القيادة البديلة تولّت مهامها بمهنية عالية.
كما لم يحسمْ بعد ما إذا كان العدوّ سعى في الضربة الأولى إلى اغتيال قائد إيران وفشل. لكنّ التجربة التي نخوضها مع العدوّ، منذ عامين تقريباً، تؤكّد أنه كان يسعى إلى اغتيال الخامنئي، خصوصاً أنّ العقل الصهيوني يعتبره المسؤول الأول عن كل ما أصاب كيانه، أقلّه منذ 35 سنة، وكان بنيامين نتنياهو شخصياً، يرى فيه آخر حبّة في عنقود من سبق أن اغتالهم في إيران ولبنان وفلسطين والعراق.
ثانياً، فوجئ الأميركيون والإسرائيليون (وحتى بعض أصدقاء إيران) من ردّة فعل الشعب الإيراني. كثيرون من المتبحّرين في الشأن الإيراني أقرّوا بأنّ ردّة فعل الشعب على العدوان كانت أكبر من كل التوقّعات. إذ ظهرت لحظة توحّد، لها خلفيّاتها وأبعادها، لكنها كانت ضرورية لحسم كل النقاش الداخلي حول سياسات النظام. وما ظهر من ردود فعل الإيرانيين خارج البلاد، أظهر أنّ الجميع كانوا يشعرون بأنّ بلادهم، وليس الحكم القائم فيها، هي الهدف من العدوان.
وهو ما أدّى إلى عزل المجموعات المنظّمة التي انخرطت مع العدوّ، وتولّت إدارة مراكز تصنيع وتجميع وضرب مسيّرات أو وضع عبوات ناسفة أو حتى القيام بعمليات اغتيال، فتحوّل هؤلاء، في لحظة واحدة، إلى مرتزقة طالب الناس بإعدامهم، كما أظهرت الإجراءات الأمنيّة الدور الكبير للسكان في كشف هذه المجموعات، علماً أنّ بعض من جنّدهم العدوّ سارعوا إلى إبلاغ السلطات عن أدوار يقومون بها، وكانوا يجهلون هوية المشغّل لهم.
ثالثاً، أدّت نتائج الأيام الستة الأولى إلى تبدّل جوهري في المزاج العام. فصار الشارع الإيراني يطالب قيادته بردّ أكثر قساوة على العدوّ. وعندما ظهرت نتائج القصف الصاروخي على الكيان، وجد الأميركيون انفسهم في لحظة اختبار لم تكن مقرّرة في تلك اللحظة. صحيح أنهم يوفّرون كل الدعم للحرب، لكنّ رجلاً كدونالد ترامب – مهما كان وفياً أو صديقاً لإسرائيل – يسعى طوال الوقت لسرقة الأضواء، ما كان ليهتمّ بسقوط شهداء من المدنيين أو العسكريين الإيرانيين في أي ضربة تنفّذها قواته، إلا أنه حاذر ذلك، لأنّ إسرائيل لم تضمن له تعطيل قدرة إيران على الردّ بالصواريخ.
فوجد الأميركي نفسه في لحظة اضطرّ فيها إلى اتّخاذ قرار سريع، معلناً دخوله الحرب لتدمير المشروع النووي، وإضعاف قدرة إيران الصاروخية، والتمهيد لجرّها إلى الاستسلام. وما حصل أنه كما تحدّث ترامب عن تلقّيه إنذاراً إيرانياً مسبقاً بضرب قاعدة الدوحة، فإنه حرص على إرسال الإشارات الكافية لنيّته ضرب المنشآت النووية، وقال إنه لا يريد قتل أي جندي أو مدني إيراني، وهو ما عاد وتفاخر به رئيس أركان جيوشه في اليوم التالي.
لكنّ ترامب كان مضطراً لأن يأخذ في الاعتبار حسابات إضافية، مثل ألّا تلجأ قواته إلى استخدام أي قاعدة في أي دولة في المنطقة أثناء الهجوم (صار واضحاً لجهات معنيّة أن الأميركيين، استخدموا إحدى قواعدهم في المنطقة لإرسال طائرات حربية مواكبة لعملية الغارات الكبيرة). ولأنّ ترامب بات واثقاً بأنّ الردّ الإيراني سيكون حتمياً، قرّر أن يرسم إطار ضربته، من أجل أن يرسم مسبقاً إطار الردّ الإيراني. وهو طبعاً، كان يتّكل على أنّ إيران ليست في وضع يمكّنها من قصف منشآت نووية داخل الولايات المتحدة.
رابعاً، ليس صحيحاً أنّ إسرائيل كانت واثقة من كل ما تقوم به. وبينما تنقل وسائل إعلام بريطانية عن خبراء أمنيّين في إسرائيل تقديرهم بأنّ الضربة الأميركية لم تعطّل المشروع النووي الإيراني، تصرّفت تل أبيب منذ اليوم الأول، بأنّ مهمة من هذا النوع تتطلّب نزول جنودها على الأرض. وبرغم الجرأة التي تتمتّع بها قوات الكومندوس الإسرائيلية عادة، إلا أنّ قراراً سياسياً وأمنياً ومهنياً، حال دون اللجوء إلى هذا الخيار.
فيما وجدت نفسها من اليوم الرابع أمام تحدي القوة الصاروخية الإيرانية، إذ باتت مضطرّة إلى اعتماد برنامج عمل أمني وعسكري داخل إيران وداخل الكيان، لاحتواء القصف. ورغم أن المؤسسة الأمنيّة والعسكرية كان لديها تقدير حول معنى أن تُقصف مدن الكيان بالصواريخ، إلا أنها لم تكن لتشرح للمستوطنين تفصيل الأمر، خشية أن يرتفع الصوت المعارض للمعركة. ومع ذلك، فإن قيادة الاحتلال، بدت متفاجئة بآلية العمل التي اعتمدها الإيرانيون، كما فوجئت ببعض القدرات الإيرانية، إضافة إلى عدم قدرتها على حجب النتائج الفعلية عن سكان الكيان طويلاً، ولو حجبت الصور عن الجمهور لبعض الوقت.
وتطور الأمر، وصولاً إلى تكوّن قناعة لدى إسرائيل، بأنه يصعب الحديث عن محاصرة القدرات الصاروخية لإيران. فكانت تل أبيب مضطرّة للتفكير في بديل للمرحلة اللاحقة. لكنّ طبيعة الردّ الإيراني عطّلت قدرتها على توسيع دائرة القصف ضد المنشآت المدنية الإيرانية، لأنها تعرف أنّ بمقدور الإيرانيين الردّ بالطريقة نفسها داخل الكيان. علماً أنه سيُنشر قريباً تقرير مفصّل عن عدد الصواريخ التي أطلقها الإيرانيون أثناء الحرب، وطبيعة الأهداف التي أصابوها، ولو أنّ إيران أرادت قتل عدد كبير من المستوطنين، لفعلت ذلك بسهولة. فكان أن التزمت إسرائيل بقواعد اشتباك معيّنة، لكنّ النتيجة بالنسبة إليها، هي عدم قدرتها على تحقيق هدف تعطيل القدرات الصاروخية.
وكي لا نغرق في تحليل بقية الأهداف السياسية، فإنّ حصيلة ما حصل، هو أنّ الهدف المركزي بتدمير المشروع النووي (السلمي أو العسكري) ليس خبراً مؤكّداً، وستظهر الأيام حقيقة الأمر. كما أنّ هدف ضرب القدرات الصاروخية لإيران صار من الماضي. وبالتالي، فإنّ العدوّ الذي يفكّر في الحصول على حرية حركة في إيران كما يفعل الآن في سوريا ولبنان، يعرف أن الأمر غير ممكن، وأنّ كلفته باهظة، وليس أمامه سوى الالتزام بوقف إطلاق النار، وسيعود إلى العمل من جديد، وفق آليات أمنيّة خبيثة، علماً أنه يعرف أنّ «اليقظة» باتت عنواناً يخصّ كل مواطن إيراني، وهو ما يفيد سلطات طهران في مكافحة برنامج التجسّس العام، ولو أن التحدي الكبير أمام الجيش والحرس الثوري يبقى في حصر الثغرات التي نفّذ منها العدوّ، ليتمكّن من الوصول إلى أهداف بشرية وعسكرية أثناء الحرب.
كل ما تقدّم، يقول لنا إنّ إيران صمدت في هذه المعركة، وإنّ العدوان فشل في تحقيق أهدافه الأساسية. وما تبقّى، هو رهن ما تحمله الأيام من أخبار ومعطيات وأفعال. لكنّ الأكيد الذي لا يحتاج إلى خطاب تعبئة أو فحص إرادة، هو أنّ الحكم في إيران ليس في وضع يفرض عليه تغيير قناعاته، أو تعطيل برامجه، أو تخلّيه عن خيار دعم المقاومة بوجه إسرائيل.
والأكيد أنّ على الحكم في إيران البحث في شكل ردّ الجميل إلى شعبه أولاً، قبل إعادة النظر في كثير من آليات التفكير، وأدوات العمل، حاله كحال جميع أطراف محور المقاومة.
بهذا المعنى، يصبح الحديث عن الصمود كسراً لمنطق الهزيمة التي يريد أنصار أميركا وإسرائيل إقناع الناس بأنها حاصلة!
وفقط لأصحاب الذاكرة المثقوبة. هل نسيتم ما قاله ترامب قبل أقل من اسبوع: استسلام غير مشروط!
فصل جديد من صراع الإرادات: إيران تُفشل حرب الإخضاع
شكّلت الحرب بين إيران من جهة، وإسرائيل المدعومة أميركيّاً من جهة أخرى، فصلاً تصعيدياً أحاديّاً، ضمن مسار الصراع المفتوح الممتدّ منذ عقود. إلا أنّ ما ميّز هذه الحرب، أنها لم تُختَم باتّفاق سلام، ولم تُحسم باستسلام، أو بانتصار ساحق لأيٍّ من الطرفَين، بل أفضت إلى مشهد معقّد ستتّضح ملامحه في المرحلة السياسية التالية للحرب.
وخاض المعسكر الأميركي – الإسرائيلي المعركة من موقع الهجوم والمبادرة، فيما وجدت إيران نفسها في موقع الدفاع، عبر صدّ العدوان وصَون مكتسباتها السيادية. ورغم الاختلال الواضح في موازين القوى – لجهة التفوّق العسكري والتقني الإسرائيلي المدعوم بشبكة تحالفات دولية وإقليمية -، واجهت إيران الهجوم مستندةً إلى منظومة متماسكة من الإستراتيجيات الدفاعية المبنيّة على الردع والتماسك الداخلي والقدرات الذاتية.
وهكذا، سرعان ما تبدّلت معالم المعركة: فقد وجدت تل أبيب نفسها إزاء نتائج ميدانية وسياسية فاقت توقّعاتها، وتكبّدت أثماناً غير محسوبة، بفعل صلابة الموقف الإيراني الذي تجاوز الدفاع إلى فرض معادلات ردع جديدة. ورغم الضربات المؤلمة التي طالت منشآت حيوية في البرنامجَين النووي والصاروخي الإيرانيَّين، فإنّ التقييم النهائي لنتائج هذه الهجمات لا يزال موضع تباين، حتى في الداخل الأميركي.
وما يبدو مؤكّداً إلى الآن، أنّ الجمهورية الإسلامية، بوصفها دولة ذات مشروع إستراتيجي في التكنولوجيا النووية، أثبتت قدرة واضحة على امتصاص الضربات، وتكييف منظوماتها الدفاعية لإعادة البناء والانطلاق من جديد.
أمّا على الجبهة الصاروخية، فقد برز تطوّر نوعي لافت: أداء عملياتي مدروس وتصاعدي أربك الحسابات الإسرائيلية، وفرض معادلة ردع غير مسبوقة، وصلت تداعياتها إلى عمق الجغرافيا الإسرائيلية، بما في ذلك منشآت مركزية في قلب تل أبيب.
أيّ هجوم على إيران قد يفجّر مواجهة لا يمكن احتواؤها بسهولة
وهكذا، نجحت طهران في إدارة توازن بالغ الحساسيّة: صدّ الهجوم بكفاءة، من دون استنزاف إستراتيجي، مع الحفاظ على الجاهزية لجولات مستقبلية محتملة من الصراع. وحال ذلك دون منح العدو فرصة فرض تسوية سياسية تحت ضغط النيران، وأرسى معطيات مركّبة يمكن توظيفها في اتجاهات متعدّدة. أيضاً، نجحت طهران في الحفاظ على الجاهزية لما يمكن أن يتحوّل إلى مواجهة مفتوحة طويلة الأمد، بعدما تجنّبت الوقوع في فخّ استنزاف قدراتها الإستراتيجية، ممّا يؤسّس لاحقاً لشروط تفاوضية أكثر صلابة.
في المقابل، واجهت إسرائيل إخفاقاً إستراتيجياً في تحقيق أهدافها القصوى، وعلى رأسها تقويض النظام الإيراني أو زعزعة استقراره الداخلي. لا بل إنّ نتيجة الحرب جاءت عكسية؛ إذ تعزّزت شرعية النظام، وتجدّدت هويته الثورية، وارتفع منسوب الالتفاف الشعبي حول مؤسسات الدولة، فيما لم تَنَلْ الضربات العسكرية ولا الضغوط الإعلامية والسياسية من تماسك البنية الإيرانية، التي أظهرت، بدورها، قدرة على امتصاص الصدمة ومواصلة الأداء المؤسسي، حتى في أشدّ لحظات التصعيد.
واقع إستراتيجي جديد… بلا حسم
ولئن كشفت الحرب عن حقيقة محورية، هي غياب الحسم، فإنّ تل أبيب ومعها واشنطن لم تنجحا في فرض إرادتهما السياسية على طهران، ولا في تغيير سلوكها الإستراتيجي، فيما اكتفت إيران، من جهتها، بتحقيق هدفها الأساسي المتمثّل في تعطيل مفاعيل الحرب، والحفاظ على مقدراتها الإستراتيجية، من دون الدخول في مغامرة «نصر مطلق». وشكّل رفض طهران الانخراط في أيّ تفاوض تحت الضغط، أحد أبرز مؤشرات صلابتها السياسية، ومتانة موقفها السيادي.
ويَظهر أنّ الرهان الإسرائيلي كان قائماً على الإنهاك التدريجي، وعلى إضعاف القدرات الإيرانية عبر ضربات محدّدة، يُفترض أن تفتح الطريق نحو اتفاق نووي وصاروخي مقيّد. لكن الردّ الإيراني فاجأ الجميع: صواريخ بعيدة المدى تخترق أنظمة دفاعية متقدّمة، وضربات تطال العمق الإستراتيجي لكيان الاحتلال، بما فيها مراكز عسكرية واقتصادية حيوية، في تحوّل أطاح رهانَ «الحرب المفتوحة القصيرة»، وأجبر إسرائيل على التراجع من دون تحقيق مكاسب سياسية حقيقية، لتجد نفسها أمام معضلة: الردّ أو الاحتواء، وكلاهما يحمل كلفة عالية.
وعلى الصعيد الداخلي الإيراني، جاءت الحرب لتُفشِل مجدّداً رهان «التغيير من الداخل»، وهو عكس ما كانت تأمله تل أبيب وواشنطن. ولعلّ استمرار عمل المؤسسات الإيرانية في ذروة المواجهة، شكّل مؤشّراً حاسماً إلى عمق الاستقرار السياسي والاجتماعي، الذي لم يتصدّع، رغم حدّة الهجمة.
تحديات ما بعد وقف النار
لعلّ التحدّي الأبرز في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، هو أنها تحمل في طيّاتها سيناريوات خطيرة؛ إذ يَظهر من التنسيق الأميركي – الإسرائيلي أنّ الرهان المُقبل هو على سياسة تطويق، تهدف إلى منع إيران من إعادة بناء قدراتها النووية والصاروخية، وهو ما قد يتّخذ شكل ضغوط دبلوماسية، أو ضربات موضعية ورسائل نارية.
لكنّ إيران ليست غزة ولا لبنان؛ فأيّ هجوم على أراضيها قد يفجّر مواجهة لا يمكن احتواؤها بسهولة. وحتى أقل السيناريوات كلفة – كجولات متقطّعة من الضربات المتبادلة -، تبقى مرهِقة وغير قابلة للاستمرار. وفي غياب اتفاق سياسي يَحترم المصالح والثوابت الإيرانية، لن تتمكّن إسرائيل من الحفاظ على ما تعتبره مكاسب ميدانية. بل إنّ غياب هذا الاتفاق، سيؤدّي إلى تسارع التسلّح الإيراني، ممّا يضع إسرائيل في مواجهة خيارات مريرة: إمّا التورّط في حرب استنزاف متجدّدة، أو القبول بتآكل مفاعيل حملتها الأخيرة، وبالتالي تكريس توازن الردع الذي سعت جاهدة لتقويضه.
وبذلك، يمكن القول إنّ الحرب الأخيرة – رغم ضراوتها – لم تكن نهاية الصراع، بل هي فصل جديد في معركة الإرادات. ولعلّ أكبر ما أنجزته إيران، أنها واجهت، منفردةً، حرباً غربية – إسرائيلية شاملة، من دون أن تخضع أو تتراجع، بل خرجت من المعركة وهي أكثر ثقةً بقدراتها، وأشدّ حضوراً في معادلات الإقليم، ولتؤكّد أنّ معركة تحرير فلسطين وصدّ الهيمنة الأميركية ليست مجرّد شعارات، إنّما خيارات إستراتيجية تُمارس على الأرض، وتُخاض التضحيات في سبيلها.
صحيح أنّ هذه الحرب ليست نهاية المطاف، لكنها بالتأكيد نقطة تحوّل؛ كونها بدّدت أساطير رُوجت عن هشاشة إيران، أو عجزها عن المواجهة، أو ضعف إرادتها في وجه الضغوط. وبدلًا من أن تُكسر، فرضت معادلة ردع جديدة عنوانها: لا أمن بلا توازن، ولا اتفاق بلا احترام الثوابت.
تشكيك غربي في «إنجازات» الحرب: إيران قادرة على الترميم
تتّخذ مواقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوماً بعد يوم، طابعاً «أكثر فكاهية»، وتصبح أكثر بعداً عن الواقع، بشكل يهدف على الأرجح إلى إخفاء النتائج العملية لحروب إسرائيل المستمرة في المنطقة، وآخرها مع إيران؛ إذ إنه رغم إعلان الرئيس الأميركي أنّ «وقف إطلاق النار» الأخير سيشمل طهران أولاً قبل تل أبيب، فإنّ وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أكّد أنه «لن يكون هناك وقف للأعمال العدائية ما لم توقف إسرائيل هجماتها»، وهو ما انعكس في استمرار إيران في استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى «اللحظة الأخيرة».
وعليه، وضع مراقبون التصريحات الأميركية، لا سيّما تلك التي بثّها ترامب عبر منصّته «تروث سوشال»، في خانة «التسويق الوهمي» لانتصار إسرائيلي، كانت أبرز شروطه، في البداية، «إسقاط النظام الإيراني»، «والقضاء» على برنامج طهران النووي. وفي حين بدا التماسك الإيراني، وقدرة السلطات الإيرانية على امتصاص العدوان الإسرائيلي الأوّلي على البلاد وعدد من قياداتها واضحَين، فإنّ العديد من المراقبين في الغرب، يجادلون بأنّ الهدف الثاني حتى، والمتمثّل بـ«شل» قدرة إيران على صنع سلاح نووي، لم يتحقّق سوى في منشورات ترامب وتصريحات بنيامين نتنياهو، مشيرين إلى أنّ ثبات طهران وخروجها من الحرب بالنتائج الحالية، سيجعلانها حتى أكثر حزماً في حماية برنامجها، وربما التسريع في «امتلاك سلاح نووي».
وفي هذا السياق، أشارت مجلة «تايم» الأميركية إلى أنه في حين أدّت الضربات الأميركية والإسرائيلية إلى «تعطيل» عمليات التخصيب الإيرانية، فإنّ طهران لا تزال تحتفظ بالخبرة العلمية والمواد المخزّنة، وباتت تمتلك، حالياً، حافزاً أقوى لدفن برنامجها بشكل «أعمق» تحت الأرض. ونقلت المجلة عن أليكس فاتانكا، من «معهد الشرق الأوسط»، قوله إنه «إذا نجت إيران من الصراع، فقد تخلُص إلى أنّ السلاح النووي هو السبيل الوحيد للردع».
أما صحيفة «واشنطن بوست» فنشرت، أمس، تقريراً جاء فيه أنّ مسؤولي الدفاع والخبراء النوويين لا يزالون يحاولون، حتى اللحظة، تحديد ما إذا كانت الضربات قد حقّقت هدفها الإستراتيجي المعلن المتمثّل في القضاء على البرنامج النووي الإيراني، حتى مع إعلان ترامب، الإثنين، «انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران». وطبقاً لمعطيات وزارة الدفاع نفسها، فمن المتوقّع أن يستغرق الجيش الأميركي أياماً، بل أسابيع، لإكمال التقييم الرسمي لأضرار المعركة، والذي سيعتمد بالدرجة الأولى، على استخدام المراقبة الجوية لجمع المعلومات من مواقع الانفجارات، في وقت يحذّر فيه الخبراء من أنّ المعلومات التي يمكن جمعها عبر تلك الآلية ستكون «محدودة».
وضع مراقبون مواقف ترامب في خانة «التسويق الوهمي» لانتصار إسرائيلي
وبالفعل، كان المدير العام لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافاييل غروسي، قد أكّد في وقت سابق أنه «في الوقت الراهن، لا أحد في وضع يسمح له بتقييم الأضرار تحت الأرض بشكل كامل» في فوردو، مشيراً إلى أنّ «الوكالة لن تكون قادرة على معرفة ذلك إلا بعد أن يتمكّن مفتشوها الذين لا يزالون في إيران من العودة إلى المنشأة». والأهم، طبقاً للمصدر نفسه، هو ما حدث لـ«أكثر من 900 رطل من اليورانيوم الذي تقول «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إنّ إيران قامت بالفعل بتخصيبه إلى درجة قريبة من صنع الأسلحة، ويكفي لصنع أكثر من اثنتَي عشرة قنبلة»، علماً أنّ الوكالة تقدّر أنه تمّ تخزين جزء منه «في موقع تحت الأرض بالقرب من منشأة أصفهان»، التي أصيبت بصواريخ كروز أميركية تطلق من الغوّاصات، مشيرةً كذلك إلى أنّ بعض المواد المخصّبة نُقلت إلى مواقع أخرى «غير معلنة».
وتعقيباً على ذلك، أكّد جيفري لويس، الخبير في الشؤون النووية ومنع الانتشار النووي في «معهد ميدلبري للدراسات الدولية»، أنّه «غير معجب» بنتائج الهجمات الأميركية والإسرائيلية، نظراً إلى أنّه تم «تخزين اليورانيوم المخصّب إلى حدّ كبير في أنفاق تحت الأرض». وأردف، في منشور عبر «أكس»، إنّه «رغم الهجمات الإسرائيلية أو الأميركية واسعة النطاق على المنشأة، لا يبذل على ما يبدو أي جهد لتدمير هذه الأنفاق أو المواد التي كانت بداخلها».
وطبقاً للمصدر نفسه الذي استشهدت به «واشنطن بوست»، ورغم أنّ الضربات المشار إليها قد تكون بمثابة «خسارة» للإيرانيين، إلا أنّ الهجوم على منشآت فوردو وأصفهان ونطنز ليس بالحجم الكافي لـ«القضاء على البرنامج النووي». وأضاف الخبير إنه في حين أنّ الضربات قد تكون «أخّرت» برنامج طهران، وألحقت دماراً مادياً بتلك المنشآت، إلا أنّ إعادة البناء «قد تتم في مدّة لا تزيد على عام واحد».
ووصفت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، بدورها، في تقرير، التصريحات الصادرة عن ترامب ونائبه، جي دي فانس، بـ«الواثقة للغاية»، لافتةً إلى أنّه «من المرجّح أن تتمكّن إيران من إعادة تشكيل برنامجها بسرعة، وربما في غضون عام تقريباً». كما حذّر أصحاب الرأي المتقدّم من أنّه «بعد الضربات الأميركية، أصبح هناك خطر حقيقي من أن تتّخذ طهران قراراً بالذهاب إلى أبعد من تخصيب، أي نحو بناء قنبلة». وتابع التقرير: «نظراً إلى أنّ إيران أخلت المنشآت الرئيسة قبل الضربات الأميركية، فمن المرجّح أنّ معظم الكوادر الإيرانية من العلماء والفنّيين المهرة قد نجوا.
ومع امتلاك إيران اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المائة، قد يتمكّن هؤلاء، باستخدام 100 إلى 200 جهاز طرد مركزي عامل فقط، من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة في غضون أسابيع قليلة». «والأسوأ من ذلك»، بحسب المصدر نفسه، هو أنّ «إيران تمتلك بالفعل منشأة تشغيلية سرية للتخصيب، وهو تصميم شبه ناضج لسلاح نووي، ويمكّنها من تصنيع واحد في غضون بضعة أشهر».
وفي أفضل السيناريوات، والذي يُعدّ «بعيداً كل البعد» عن التحقّق، قد ينجح أي عمل عسكري في المستقبل في تدمير مخزونات إيران من اليورانيوم عالي التخصيب ومكوّنات أجهزة الطرد المركزي؛ إلا أنه حتى هذه النتيجة لن تكون «جيدة بشكل مطلق»، نظراً إلى أنّ إيران تحتفظ بالمعرفة والخبرة، وستتمكّن على الأرجح من إعادة بناء برنامجها النووي بالكامل «في غضون سنوات قليلة».
ونظراً إلى عمليات «إحلال السلام» السابقة التي تفاخر بها ترامب أو وعد بتحقيقها، بدءاً من غزة ووصولاً إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، يرى الكثير من المحلّلين أنه لا تزال هناك «قائمة طويلة من الأسئلة الكبيرة التي لم تتمّ الإجابة عليها، وخاصة ما إذا كان أي وقف لإطلاق النار يمكن أن يدخل حيّز التنفيذ بالفعل ويصمد بين عدوّين لدودين» مثل إيران وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، أفادت وكالة «رويترز» بأنّ «الشروط التي اتفق عليها الجانبان لا تزال غير معروفة وغير مذكورة في منشور ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي»، جنباً إلى جنب «ما إذا كانت الولايات المتحدة وإيران ستعيدان إحياء المحادثات النووية الفاشلة، ومصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب الذي يعتقد العديد من الخبراء أنه ربما نجا من حملة القصف الأميركية والإسرائيلية». ويُضاف إلى ذلك، إنّ العدوان الأميركي – الإسرائيلي المشترك على الأراضي الإيرانية عقّد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تقييد البرنامج الإيراني.
سعر الصرف الحقيقي يعود إلى مستويات ما قبل الانهيار: لبنان يراكم الخسائر ويدفنها… مجـدّداً
ورد في مرصد لبنان الاقتصادي الصادر أخيراً عن البنك الدولي بعنوان «انعطاف المسار؟»، تحليلاً معمَّقاً لمسار سعر صرف الليرة الحقيقي عن المدّة الممتدّة بين كانون الثاني 2010 وكانون الأول 2024.
ويستند هذا التحليل إلى دراسة سعر الصرف الفعلي الحقيقي أو (Real Effective Exchange Rate – REER)، وهو عبارة عن مؤشّر يستند إلى سنة أساس لقياس تحرّكات الأسعار (سعر الصرف وسعر السلع) بين لبنان والخارج، ما يتيح قراءة القدرة التنافسية لصادرات السلع اللبنانية.
كلما انخفضت القيمة الحقيقية لـ الليرة ازدادت قوّتها التنافسية في الخارج، وكلما ارتفعت قيمتها الحقيقية انخفضت قدرتها التنافسية في الخارج. وهو بذلك، يقدّم فكرة واضحة لقياس قيمة الليرة المثبتة اصطناعياً تجاه الدولار مقابل قيمتها الحقيقية.
إنّ عودة مستويات سعر الصرف الفعلي إلى مستويات ما قبل الانهيار، تعني أنّ الاقتصاد يراكم الخسائر مجدّداً ويدفنها تحت عباءة ثبات سعر الصرف.
نقطة الأساس تبدأ في 2010. ويفترض هذا المؤشّر أنه في 2010 كانت أسعار الاستهلاك المحلّية تساوي 100 نقطة مقارنة مع أسعار الاستهلاك في الخارج.
ثم ارتفعت إلى ذروتها في 2016 مسجّلة 200 نقطة، قبل أن تنحدر إلى 50 نقطة في 2020، وعادت إلى نحو 180 نقطة في 2024. ماذا يعني ذلك؟
لنفترض أنّ الـ100 نقطة هي سلّة من السلع الاستهلاكية في الخارج، وأنّ سعرها في لبنان كان يبلغ ليرة واحدة، ثم انخفض إلى نصف ليرة، أي أنّ الليرة الواحدة صارت تشتري سلّتين من السلع في الخارج.
وبتحويل هذه السلّة الخارجية إلى عملة أجنبية، فإنّ الليرة أصبحت أقوى وتشتري ضعف ما تشتريه العملة الأجنبية المباعة في الخارج. وفي 2020 صارت الليرة تشتري نصف هذه السلّة وفي 2024 عادت إلى مستويات قريبة ممّا كانت عليه في ذروتها في عام 2016.
إنّ تثبيت سعر الصرف هو إخفاء للواقع الفعلي للاقتصاد الضعيف والهشّ
السؤال الأساسي: هل قوّة الليرة تجاه الخارج أمر جيّد؟ بالطبع لا. فالعملة المحلّية هي بمثابة مقياس لقوّة الاقتصاد بما يستورده من الخارج وما ينتجه في الداخل.
كلما كان الاقتصاد أقوى كانت الليرة أضعف، والعكس صحيح. قوّة الليرة تعني أنّ مَن يملكها لديه قدرة استهلاكية، لكن ليس بالضرورة أنه يملك قوّة إنتاجية. وبالتالي، فإنّ تثبيت سعر الصرف هو إخفاء للواقع الفعلي للاقتصاد الضعيف والهشّ.
فعندما كان التثبيت قائماً طوال العقود الأخيرة، كان سعر الصرف المحدّد من الدولة (سعر الصرف الاسمي) يخفي خسائر الاقتصاد.
أمّا حين انخفضت القيمة الفعلية لليرة إلى نصف ما كانت عليه في 2010، فهي في الواقع عَكَسَت انهيار سعر الصرف في وقت كانت الدولة تتمسّك بسعر صرف رسمي يبلغ 1500 ليرة مقابل الدولار، أي أنّ سعر الصرف الحقيقي لم يظهر في السوق (ظهر في ما يسمّى السوق السوداء).
وعندما عاد المؤشّر إلى الارتفاع فإنّ الأمر يحصل بسبب عودة التثبيت الذي ينتج الدورة نفسها نحو تقوية الليرة رغم ضعف الاقتصاد.
لماذا نريد الليرة ضعيفة أو قوية؟ في العادة تعتمد الدول على قوّتها الاقتصادية لترك العملة تقوى أو تضعف.
ضعف الليرة يعني زيادة قوّتها التنافسية في الخارج، إذ إنّ الصناعات المحلّية ستنتج سلعاً منخفضة الأكلاف ثم يتمّ تصديرها إلى الخارج حيث ستتنافس مع سلع منتجة في بلدان أخرى وبالتالي تصبح أكثر قدرة على منافستها في سعر المبيع.
الدول توازن بين قدراتها التصنيعية وبين أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة وبين مستويات الأجور المحلّية، وهذا ما يظهر في سعر الصرف.
لكن إذا جرى تثبيت سعر الصرف، يتمّ إخفاء هذه المعادلة ويتمّ نفخ القدرات الشرائية للمستهلك. وفي لبنان كان المستهلك منفوخ القدرات الاستهلاكية ويشتري السلع المستوردة، ما كبّده خسائر هائلة كانت مختبئة في سعر الصرف المثبت.
وبحسب البنك الدولي، فإنه يمكن تقسيم المرحلة ما بين 2010 و2024 إلى أربع مراحل على النحو الآتي:
- في المرحلة الأولى الممتدّة بين كانون الثاني 2010 حتى آذار 2019، ارتفع المؤشّر بنسبة 107.4%، ما يدلَّ على تآكل تنافسية الأسعار اللبنانية مقارنة بالشركاء التجاريين. أي إنّ قيمة العملة الفعلية ارتفعت وأصبحت الأسعار أعلى. وتزامن ذلك مع ارتفاع واردات لبنان من 13.2 مليار دولار إلى 19.3 مليار دولار قبل اندلاع الأزمة المالية.
- في المرحلة الثانية الممتدّة من بداية الأزمة في نسيان 2019 لغاية تموز 2020، انخفض سعر الصرف الحقيقي بسرعة، على نحو دفع العملة اللبنانية إلى أقصى تنافسيّتها منذ 2010، وذلك بفضل انخفاض قيمة الليرة اللبنانية 475% مقابل الدولار، مقابل زيادة في الأسعار المحلّية بلغت 112% أثناء تلك المدّة؛ وهذا ما أدّى إلى تراجع الواردات من 16.1 مليار دولار إلى 9.8 مليار دولار.
عملياً انخفضت قيمة العملة بنسبة أكبر من ارتفاع الأسعار المحلّية بأكثر من 4 مرات. لكن حصل ذلك بالتزامن مع انخفاض في الصادرات أيضاً.
- في المرحلة الثالثة ما بين آب 2020 وآب 2023 تضاعف مؤشّر سعر الصرف الحقيقي نتيجة تسارع التضخم المحلذي (1953%) مقارنة بانخفاض قيمة الليرة (1092%). ومن الأسباب الأساسية في ذلك كان رفع الدعم ودولرَة الأسعار.
- في المرحلة الأخيرة الممتدّة من أيلول 2023 حتى كانون الأول 2024، أكمل مؤشّر سعر الصرف الحقيقي ارتفاعه، ما أدّى إلى تآكل المكاسب التنافسية للصادرات اللبنانية التي كان يفترض أن يحقّقها بفعل الأزمة والسبب ارتفاع الأسعار المحلّية بنسبة 42% رغم ثبات سعر الصرف الرسمي عند 89,500 ليرة للدولار، فسجّل المؤشّر ارتفاعاً بنحو أربعة أضعاف مستوياته في تموز 2020.
وبحسب التقرير، فإنه رغم انخفاض مؤشّر سعر الصرف الحقيقي الذي ينعكس في العادة إيجاباً على الصادرات، إلا أنّ لبنان لم يستفدْ من هذه الميزة؛ فقد استمر العجز التجاري من دون تحسُّن يُذكر، ويرجع ذلك إلى عوامل هيكلية عديدة، تشمل ضعف الوصول إلى أسواق الخليج، وانقطاع طرق التصدير عبر سوريا، وتراجع الطلب العالمي أثناء جائحة كوفيد-19، واقتصاد محلّي يواجه تحديات تنافسية عالية تكاليف التشغيل (خصوصاً الكهرباء).
بالإضافة إلى درجة عالية من الدولرَة في الأسعار المحلّية التي حدّت من قدرة المصدّرين على خفض أسعارهم بالليرة. وتؤكّد التجربة أيضاً أنّ مرونة استجابة المنظومة الاقتصادية اللبنانية لتغيير سعر الصرف ضئيلة نتيجة تشكيل معظم العقود والأسعار بالدولار (وهي أحد مظاهر الدولرَة الفعلية في السوق).
ينبّه التقرير إلى أنّ هذه الديناميات تستدعي إصلاحات هيكلية عميقة لرفع قدرة القطاعات المنتجة على الاستفادة من تحسين المنافسة السعرية، عبر تعزيز البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال، وخفض كلفة الإنتاج، وإزالة العقبات اللوجستية، إلى جانب إعادة النظر في مستوى التدخّلات الحكومية في تحديد الأسعار والرسوم.
وفي هذا الوقت، يبقى ثبات سعر الصرف الرسمي عند 89,500 ليرة مقابل الدولار منذ آب 2023، مدعوماً بتراكم فائض الميزانية التي تودعها الوزارات والمؤسّسات العامة لدى مصرف لبنان، وعمليات «تعقيم السيولة» التي يقوم بها المصرف المركزي عبر امتصاص الليرات وتوجيهها نحو شراء الدولارات وإعادة بناء احتياطيّاته.
علماً بأنّ التقرير يشير إلى أنه عندما يتّجه الاقتصاد إلى المزيد من الدولرَة يصعب عليه تحقيق وفورات تنافسية ذات أثر فعلي على الصادرات ويزيد من الهشاشة تجاه الصدمات المستقبلية.
اللواء:
مصير السلاح قبل التفاوض على تسوية شاملة
عون يستعد لإطلاق الحوار .. وسلام لتفاهم حول الطاقة مع قطر
لا غروّ في أن المشهد في لبنان والمنطقة بعد انتهاء الحرب «الايرانية – الاسرائيلية» المفترض أنه سيثبت، فاتحاً الباب أمام تسويات في عموم الشرق الاوسط، برعاية الادارة الاميركية، بدءاً من إيران إلى غزة ولبنان، بعيداً عن استباقات متسرعة، أو أحكام تفتقد إلى البنية الواقعية المقنعة.
ومن هذه الوجهة تتجه الإهتمامات إلى الاسبوع الطالع، الذي يبدأ غداً بأول أيام السنة الهجرية، حاملاً معه بوادر حركة سياسية رسمية وحزبية لوضع مسألة السلاح على الطاولة، سواءٌ السلاح الفلسطيني أو سلاح حزب الله.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية ينشط لبنان لحشد الدعم الدبلوماسي العربي والدولي لإنهاء الوضع الشاذ في الجنوب، ومنع اسرائيل من استكمال مغامرات التمرد على القرار 1701 ووقف النار، أو السعي للذهاب إلى «حرب صغيرة» أو كبيرة، تفرض على لبنان وحزب الله للذهاب إلى تسوية شاملة، انطلاقاً من وضع ملف السلاح على الطاولة قبل البدء بالتفاوض.
وفي هذا السياق، تشير هذه المصادر الى أنّ الحركة السياسية والدبلوماسية في بيروت خلال الحرب «الايرانية-الاسرائيلية»، والمعلومات التي رشحت عنها، توحي بأنّ شيئاً يُحضر للبنان، وأنّ الحرب إن وقعت ستكون وسيلة ضغط لفرض «التسوية او شروط الحل»، كاشفة النقاب عن أن ما يُتداول في الكواليس الدبلوماسية، يشير إلى تسوية تُبنى على ثلاث ركائز:
أولاً: انسحاب إسرائيلي من كافة نقاط الخلاف الحدودية، وتفاهم بحري وبري شامل.
ثانياً: ترسيم نهائي للحدود البرية مع فلسطين المحتلة وسوريا تحت إشراف دولي، بما يشمل انتشاراً للجيش اللبناني وتعديلات حتمية على دور اليونيفيل.
ثالثاً: وضع ملف السلاح على الطاولة بشكل جدي كشرط مسبق للتفاوض.
على أن المصادر تستدرك قائلة: ان الحديث عن نزع سلاح حزب الله أو وضعه تحت سيطرة الدولة، لم يعد طرحًا داخليًا، بل أصبح جزءاً من معادلة «إقليمية – دولية» بعد التسوية «الأميركية – الإيرانية» التي أوقفت الحرب بين إيران وإسرائيل، كاشفة ان ما يُحكى في الغرف المغلقة يتجاوز فكرة «نزع السلاح» التقليدية، فلا أحد يتخيّل مشهداً تُسلَّم فيه الصواريخ والأسلحة إلى الجيش، بل ما يُطرح هو صيغة «تنظيم السلاح» الباقي بعد العدوان المفترض تحت سلطة الدولة فقط، بعد خروج العدو من كافة الأراضي اللبنانية. (راجع ص 3).
واعتبرت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» ان الساحة المحلية امام عودة الحرارة الى ملفاتها الاساسية بعد انقشاع المشهد الإقليمي ورأت ان هناك مطالبة من الفرقاء المحليين بتحريك عجلة هذه الملفات كي تنطلق الدولة نحو ما التزمت به بعد إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية.
واكدت هذه المصادر انه يفترض ان تحل إشكالية المناقلات القضائية وهي لا تحتاج الى مجلس وزراء في حين ان تعيينات الفئة الاولى تتطلّب ذلك، مشيرة الى ان ملف السلاح سيعود الى تزخيم بدوره وهو ما شكل محور لقاء الرئيس عون مع الدكتور جعجع في زيارة لها مدلولاتها لاسيما بعد الحديث عن اختلاف في وجهات النظر بينه وبين الرئيس عون، وهو ما لم ينفه جعجع متحدثا عن اختلاف في المقاربات، وفي كل الأحوال وضعت الملفات على الطاولة واستفسر رئيس حزب القوات عن بعض النقاط لاسيما انه الإجتماع الثنائي الاول بينهما.
وفي السياق، أعلن الرئيس نواف سلام أن لا استقرار في لبنان ما لم تنسحب اسرائيل من النقاط الخمس التي ما تزال تحتلها في جنوب لبنان، مؤكداً «أننا تمكنا من منع جرّ لبنان إلى حرب جديدة أو توريطه في النزاع الاقليمي الذي كان دائراً.
سلام وأمير قطر
وخلال اللقاء مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الديوان الاميري بحضور الوفد اللبناني الذي ضم الوزراء غسان سلامة (الثقافة) جو صدي(الطاقة) فايز رسامني (الاشغال) فادي مكي (التنمية الادارية). أكد الرئيس سلام على تضامن لبنان مع دولة قطر، وإدانته الشديدة اللهجوم الايراني على قاعدة العديد الجوية، والذي يعتبر انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة قطر ومجالها الجوي، شاكراً أمير قطر على المواقف الداعمة والمساعدة للبنان.
وعقد الرئيس سلام خلوة مع الامير تميم، قبل الانتقال إلى عقد اجتماع موسع مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطرية.
وفي الاجتماع، تم التطرق إلى مواصلة تقديم الدعم للجيش اللبناني، وضرورة تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، والتأكيد على المطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة وإعادة الإعمار، وبسط الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها، بالإضافة إلى مواصلة العمل في خطة الإصلاح وإقرارها.
وفي ملف اللاجئين السوريين، ناقش الجانبان خططاً عملية تتيح عودة آمنة وكريمة الى ديارهم، وقد أبدت دولة قطر استعدادها الكامل لتقديم الدعم والمساعدات اللازمة في هذا الخصوص بالتعاون مع السلطات السورية.
تأتي هذه الزيارة في إطار تعزيز التعاون العربي المشترك، وتأكيداً على عمق العلاقات التاريخية بين لبنان وقطر، والحرص المشترك على تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.
وكشف الرئيس سلام عن السعي إلى تفاهم تنفيذي بشأن مساهمة قطر في دعم لبنان في مجال الطاقة، سواءٌ من خلال إنشاء محطة لتوليد الكهرباء، أو تزويد لبنان بالغاز..
ووجَّه سلام الدعوة لنظيره القطري لزيارة لبنان.
والملف السياسي حضر بين الرئيس «جوزف عون ورئيس حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي كشف أن لدى الرئيس كل النية «ليكون لدينا جيش واحد، وأن يكون قرار السلم والحرب داخل الحكومة اللبنانية التي يجب أن تطرح الامور على طاولتها، مشيراً إلى تقدم كبير حصل في كل المجالات خلال الاشهر الخمسة الماضية.
وأكد جعجع أن قيام دولة فعلية هو مصلحة لكل لبناني، رافضاً مقاربة حزب الله لجهة أن المقاومة قوة للبنان.
اشتباك كلامي
وفي لجنة المال والموازنة، حصل اشتباك بين رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان والنائب من كتلة التنمية والتحرير علي حسن خليل حول اقتراح فتح اعتماد إضافي لصالح صندوق تعاضد القضاة، وتقرر العودة إلى المناقشة بعد الايضاحات المتعلقة بالواردات وادارة الصناديق وتوزيع الادوار للتصويت على القانون.
وكشف كنعان عن دعوة المرجعيات المالية من وزارة مال وحاكم مصرف لبنان والمعنيين الى جلسة لمعرفة ما يجب ان يصرف ولمن وكيف وهل يجوز تحميل المواطن المزيد من الرسوم والأعباء. وهذه النقاشات تحمي وتهدأ أحياناً ولكن طالما النية الوصول الى قرارات سليمة وايضاحات مطلوبة والتزام الحكومة بالسقوف والاعتمادات فهذا يصب بالخيارات السليمة والأهداف السليمة».
وفي الجنوب، أقيم صباح أمس في قيادة اليونيفيل في الناقورة حفل التسلم والتسليم بين القائد العام المنتهية ولايتة الجنرال الإسباني ارولدو لاثارو والجنرال الإيطالي الجديد دايواتو ابانيارا الذي عينه امين عام الامم المتحدة انطونيو غوتيرش مطلع الشهر الحالي ليتبوأ منصبه الحالي. وقال ابانيارا «علينا مواصلة تعزيز الاستقرار، والتنسيق الدولي، وتحويل الحوار إلى عمل ملموس. إن إدراك أهمية الاستقرار لا يكفي؛ بل يجب أن نعمل، بلا كلل على بنائه يومًا بعد يوم. واليوم، تقف اليونيفيل عند لحظة محورية. نحن منخرطون في عملية تكيّف من اجل المستقبل، وهي عملية تحوّل تُعزز قدرتنا على أداء مهامنا بفعالية وكفاءة ومصداقية أكبر. يُعيد هذا التكيّف التأكيد على مهمتنا الأساسية: حماية المدنيين، ومراقبة وقف الأعمال العدائية، والمساهمة في استقرار جنوب لبنان وفقًا للقرار 1701، ودعم الجيش اللبناني.
الاستهدافات المجرمة
وعلى دأبها كل يوم، استهدفت غارة اسرائيلية سيارة على طريق كفردجال عند تقاطع عدشيت – قاعقعية الجسر، مما أدى إلى سقوط 3 شهداء، وعلم أن الشهداء هم من عائلة واحدة، الأب وابنه وحفيده.
والشهيد يدعى هيثم بكري، وهو مسؤول مالي في حزب الله.
البناء:
نتنياهو يوقف الحرب بعد الفشل في تحقيق الأهداف نووياً وصاروخياً… والنظام باقٍ
مَن يحتاج الاتفاق أكثر ومَن يملك الأوراق بعد سقوط الحرب: إيران أم الغرب؟
عمليّة نوعيّة للمقاومة في غزة: الاحتلال يعترف بتدمير آليات و20 بين قتيل وجريح
كتب المحرّر السياسيّ
بعيداً عن خطاب النصر والتباهي بالإنجازات الوهميّة لبنيامين نتنياهو، ونجاح دونالد ترامب بالانتقال سريعاً من صانع الحرب إلى صانع السلام، توقفت الحرب دون أن تحقق أهدافها، حيث تحتفظ إيران بأجهزة تخصيب اليورانيوم وكمية من اليورانيوم المخصب على نسبة مرتفعة، وآلاف العلماء النوويين، بينما سلاح الصواريخ الإيراني قدم أداء مبهراً فاق التوقعات لدى الأعداء والأصدقاء، وتسبّب بالذعر من المستقبل للمستوطنين، الذي سمعوا وزراء حكومة نتنياهو يبشرونهم بأن الحرب لم تنته، وفيما يعترف الغرب بأن ما خسرته إيران قابل للترميم، لا يبدو قرار الحرب قابل للترميم مرة ثانية، والأرجح أنها آخر محاولات إخضاع إيران بالقوة، بعدما انكشفت محدودية القوة الإسرائيلية على خوض الحرب دون مشاركة أميركية فعالة، وظهرت محدودية قدرة أميركا على خوض حرب كاملة، بينما الهدف الحقيقيّ للحرب المتمثل بفتح كوة في جدار التماسك الاجتماعيّ والسياسيّ الإيرانيّ أملاً بإسقاط النظام، سواء على الطريقة العراقيّة أو الطريقة السورية، ما جعل هذا الرهان نوعاً من الوهم الذي لم يعد يشكل جاذبية لاستقطاب أحد، وقد ظهرت الوطنيّة الإيرانية التي جمعت الموالين والمعارضين تحت سقف الدفاع عن الوطن.
السؤال المحوريّ الذي طرحته نهاية الحرب هو مَن يحتاج الآن للاتفاق أكثر إيران أم الغرب، حيث كان رفع العقوبات حافز إيران في السعي للاتفاق ومعه السعي لتفادي الحرب، وضمان سلامة كل المنشآت النووية، أما وقد وقعت الحرب وتضررت المنشآت النووية، بينما فقد الغرب ورقة القوة التفاوضيّة التي كان يمثلها التهديد بالحرب، وإلحاق الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية، فيما صار التعامل مع النظام الإسلامي في إيران قدراً لا يمكن تفاديه مع سقوط أوهام إسقاط النظام، لكن هذا النظام بحوزته مخزون من اليورانيوم المخصب على نسبة عالية تثير القلق ومعه آلاف أجهزة التخصيب ولديه آلاف العلماء، ما يثير القلق من برنامج نوويّ سريّ ربما يذهب نحو المنحى العسكريّ في ضوء الطريقة التي جوبه بها برنامجه النووي السلمي سواء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أم من كل دول الغرب، وبعد احتراق ورقة الحرب واستنفاد ورقة العقوبات لم يتبق إلا الحوافز وسيلة لاستعادة إيران إلى التعاون النووي، والحوافز تبدأ من قبول الشروط التي كانت تفاوض إيران على أساسها قبل أن تغوي الحرب أصحابها.
في المنطقة عادت الأضواء إلى غزة مع العملية النوعية التي نفذتها قوات القسام، حيث شهدت خان يونس عملية مركبة أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من عشرين ضابطاً وجندياً، في إطار سلسلة عمليّات نوعيّة يحفل بها سجل المقاومة لشهر حزيران.
بعد انتهاء موجة التصعيد في المنطقة والتي استمرّت 12 يوماً بفعل الحرب الإسرائيلية على إيران مع توقعات عودة المفاوضات بين واشنطن وطهران الأسبوع المقبل، فإن احتمال إعادة إطلاق الحوار الداخلي في لبنان حول سلاح حزب الله يوحي بأن هناك توافقاً دولياً أو داخلياً على ضرورة حلّه، لكن دون فرض شروط مسبقة. وتقول مصادر سياسية لـ»البناء» إن لبنان، قد يكون ورقة على الطاولة أو ساحة اختبار: فتهدئة الوضع فيه سواء عبر تحييد حزب الله أو إدخاله في تسوية داخلية مرتبطة بمدى نجاح المفاوضات الكبرى بين واشنطن وطهران، وقد يؤدي هذا المناخ الإقليمي إلى إحياء ديناميات الحوار الوطني، خاصة إذا دعمتها أطراف خارجية. لكنه في الوقت نفسه قد يواجه رفضًا من بعض القوى الداخلية الرافضة لربط سلاح حزب الله بأي تفاهم خارجي.
واستهلّ رئيس الحكومة نواف سلام زيارته الرسميّة إلى قطر بلقاء مع أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مؤكّدًا «تضامن لبنان مع قطر وإدانته الشديدة للهجوم الإيرانيّ على قاعدة العديد الجويّة، الذي يُعَدّ انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة قطر ومجالها الجوّي، وللقانون الدوليّ وميثاق الأمم المتّحدة». وشدّد سلام أمام الأمير على «رفض لبنان القاطع لأيّ اعتداء يهدّد أمن وسلامة دولة قطر ويقوِّض أمن واستقرار المنطقة».
وشدّد الشيخ تميم من جهته، على «دعم قطر المتواصل للجمهوريّة اللّبنانيّة وشعبها الشقيق نحو تحقيق السّلام والتنمية والازدهار»، وتناول اللقاء العلاقات الثنائيّة وسبل دعمها وتنميتها، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليميّة والدوليّة ذات الاهتمام المشترك. كما رحّب الجانبان بوقف الحرب بين «إسرائيل» وإيران، مؤكدَيْن أهميّة انعكاس هذا التطوّر إيجابًا على استقرار لبنان وفلسطين ودول الخليج، ولا سيّما بعد الاعتداء الذي تعرّضت له قطر.
وتابع سلام جولته بلقاء رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجيّة القطري الشيخ محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني. وفي مؤتمر صحافيّ مشترك، قال سلام: «اتفقنا على الاستمرار في التشاور للتوصّل إلى تفاهمٍ تنفيذيّ حول مساهمة قطر في دعم لبنان في مجال الطاقة، سواء عبر إنشاء محطة لتوليد الكهرباء أو تزويد لبنان بالغاز». وأعرب عن أمله «في أنّ تستقرّ الأوضاع في المنطقة، وأنّ يستأنف الأشقاء القطريون زياراتهم إلى لبنان»، متطلعًا إلى «موسم اصطيافٍ واعد».
وقال سلام إنّه وضع الأمير ورئيس الوزراء في صورة ما أُنْجِز خلال الأشهر الماضية في لبنان «لجهة الإصلاح، مع مشاريع القوانين المقدَّمة، والخطوات الآيلة إلى إعادة تشكيل الإدارة على أسس الشفافيّة والتنافسيّة، والمشاريع المتعلّقة باستقلاليّة القضاء بما يُسهِم في جذب الاستثمارات». وأشار إلى «مسارٍ آخر نعمل عليه، هو بسط سلطة الدولة اللبنانيّة بقواها الذاتيّة على كامل الأراضي اللبنانيّة كما نصّ عليه اتفاق الطائف»، لافتًا إلى أنّه «لا استقرار حقيقيًّا في لبنان ما لم تنسحب «إسرائيل» بالكامل من الأراضي اللبنانيّة التي لا تزال تحتلّها، والمعروفة بالنقاط الخمس». وذكّر بأنّه طلب مجدّدًا دعم قطر والمجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف.
وفي ما يتعلّق بالملفّ الإقليمي، أكد سلام أنّ «العدوان الإسرائيلي على إيران يشكّل انتهاكًا لسيادة الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية وللقانون الدولي»، معربًا عن سروره «بأنّ الجهود التي بذلتها قطر أسفرت عن وقف العمليات العسكرية»، آملًا «طيّ هذه الصفحة وفتح باب العمل الدبلوماسيّ». وشدّد على أنّ هذا الموقف «لا يعبّر عن لبنان وقطر فحسب، بل هو موقف عربي موحَّد»، مجدِّدًا السعي إلى «شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النوويّة».
وردًّا على سؤال حول عبارة «بسط سلطة الدولة اللّبنانيّة على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة»، أوضح سلام أنّها «مقتبسة حرفيًّا من اتفاق الطائف وواردة في البيان الوزاري»، لافتًا إلى أنّ «لبنان يسعى لحشد كلّ ما يمكن حشده من دعم عربيّ ودوليّ لإلزام «إسرائيل» بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف انتهاكاتها اليوميّة للسيادة اللبنانية». وأضاف: «لقد تمكّنا، بالتعاون الداخلي، خلال الأسبوعين الأخيرين من منع جرّ لبنان إلى حرب جديدة في النزاع الإقليميّ، ونحن نتطلّع اليوم إلى صفحة جديدة من العمل الدبلوماسيّ».
وحول إمكان الضغط القطريّ والتركيّ على «إسرائيل»، قال: «نحن نحشد القوى السّياسيّة والدبلوماسيّة بدءًا من أشقائنا العرب وصولًا إلى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة الأميركيّة. لدينا اتفاق لوقف العمليات العدائيّة توصّلنا إليه مع «إسرائيل» في تشرين الثاني الماضي، لكنها لم تلتزم به، وعلينا إلزامها بالتنفيذ». وجدّد دعوته لزيارة رئيس الوزراء القطريّ لبنان قريبًا، فبادله الأخير بالقول: «وعدني دولة الرئيس بزيارتين: واحدة لطرابلس وأخرى للجنوب»، ليردّ سلام ممازحًا: «هذا تفصيل ما كنتُ أريد كشفه، ونحن بانتظار دولته قريبًا».
في سياقٍ منفصل، تلقّى وزير الخارجيّة والمغتربين يوسف رجّي اتصالًا هاتفيًّا، من المفوّضة المسؤولة عن ملفّ الشراكة المتوسطيّة في الاتحاد الأوروبيّ دوبرافكا شوتسا، تناول آخر التطوّرات العسكريّة في المنطقة وانعكاسها على الوضع في لبنان.
وأكّدت شوتسا، خلال الاتصال، استمرار الاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم للجيش اللبنانيّ، مشيرةً إلى أهميّة هذا الدعم في ظلّ الأوضاع الأمنيّة الراهنة. وأوضح رجّي من جهته أنّ الحكومة اللبنانيّة ماضية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصاديّة والإداريّة، تمهيدًا لانعقاد مجلس الشراكة مع الاتحاد الأوروبيّ المقرّر أواخر العام الحالي.
وأضاف وزير الخارجية أنّ هذه الإصلاحات تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصاديّ والاجتماعيّ في لبنان، مشيرًا إلى أنّ التعاون مع الاتحاد الأوروبيّ يمثّل ركيزةً أساسيّة لتحقيق هذه الأهداف.
وليس بعيداً، أقيم في قيادة اليونفيل في الناقورة حفل التسلم والتسليم بين القائد العام المنتهية ولايتة الجنرال الإسباني ارولدو لاثارو والجنرال الإيطالي الجديد دايواتو ابانيارا الذي عيّنه أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيرش مطلع الشهر الحالي ليتبوأ منصبه الحالي. وقال ابانيارا «علينا مواصلة تعزيز الاستقرار، والتنسيق الدولي، وتحويل الحوار إلى عمل ملموس. إن إدراك أهميّة الاستقرار لا يكفي؛ بل يجب أن نعمل، بلا كلل على بنائه يومًا بعد يوم. واليوم، تقف اليونيفيل عند لحظة محورية. نحن منخرطون في عملية تكيّف من أجل المستقبل، وهي عملية تحوُّل تُعزّز قدرتنا على أداء مهامنا بفعالية وكفاءة ومصداقية أكبر. يُعيد هذا التكيّف تأكيد مهمتنا الأساسية: حماية المدنيين، ومراقبة وقف الأعمال العدائية، والمساهمة في استقرار جنوب لبنان وفقًا للقرار 1701، ودعم الجيش اللبناني. ويبقى قرار مجلس الأمن 1701 الأساس والوجهة النهائيّة. وهو يجسّد الإرادة الجماعيّة للمجتمع الدولي لتعزيز السلام العادل والدائم والشامل. وفي سعينا لتحقيق هذا الهدف، يجب علينا أن نستمرّ في استكشاف توليفات وحلول واقتراحات مختلفة لتحقيق أهدافنا، مع الأخذ في الاعتبار أنّه لا يمكن لأي منظمة أو أمة أو فرد واحد أن ينجح بمفرده».
واستهدفت طائرة مسيّرة إسرائيليّة، صباح أمس، سيارةً مدنيّةً بصاروخين في منطقة كفردجال بقضاء النبطية، ما أسفر عن سقوط ثلاثة شهداء، وفق الحصيلة الّتي أعلنها «مركز عمليات طوارئ الصحّة العامّة» التابع لوزارة الصحّة اللبنانيّة. وبيّنت المعلومات المتداولة أنّ الشهداء هم أبٌ واثنان من أولاده من بلدة صير الغربيّة. كما وأفيد بسقوط محلقة إسرائيلية في بلدة مركبا.
على خط آخر، أعلنت رئاسة الجمهورية أنّ رئيس الجمهوريّة جوزاف عون أجرى اتصالاً هاتفيّاً بالرئيس السّوريّ أحمد الشرع، قدّم له خلاله التعازي بضحايا التفجير الإرهابيّ الذي استهدف مساء الأحد كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في حيّ الدويلعة في دمشق.
وجدّد الرئيس عون استنكاره الشديد لهذه الجريمة الّتي راح ضحيتها أبرياء وطالت صرحًا دينيًّا يتمتع بحرمةٍ وقدسيّة، مؤكّدًا تضامن لبنان، رئيسًا وشعبًا، مع عائلات الضحايا، متمنّيًا الشفاء العاجل للجرحى. وأشار الرئيس الشرع من جهته إلى أنّ السلطات الأمنيّة السّوريّة تمكّنت من إلقاء القبض على المتهمين بالمشاركة في تنفيذ الجريمة، وهم ينتمون إلى خلية إرهابيّة، وأوضح أنّ إجراءاتٍ ستتّخذ لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
وأكّد رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع بعد لقائه رئيس الجمهوريّة أنّ «لا خلافات شخصية تحتاج إلى «غسل قلوب» مع فخامة الرئيس»، موضحًا أنّ أي تباين يقتصر على مقاربات العمل، بينما «التوافق كامل على الأهداف»، وفي مقدّمها قيام دولة فعليّة بجيشٍ واحد، يكون قرار السّلم والحرب فيها حصرًا داخل مجلس الوزراء.
وأوضح جعجع أنّه والرئيس عون يتبادلان الاتصالات باستمرار «منذ ما قبل الانتخابات الرئاسيّة وبعدها»، وأنّ وجهات النظر «متطابقة مئة في المئة على الرغم من محاولات التشويش». وقال إنّ الأشهر الخمسة المنصرمة شهدت «تقدّمًا كبيرًا» في أكثر من ملفّ، لكنّه دعا إلى تسريع الوتيرة، «لأنّ الظروف لم تعد تحتمل التأخير».
وردًّا على سؤال حول سلاح «حزب الله»، شدّد جعجع على أنّ الوقت قد حان «ليكون للبنان جيش واحد، ويُحصر قرار السّلم والحرب بالحكومة اللّبنانيّة فقط».
المصدر: صحف
0 تعليق