من تحرير العام 2000 وحتى اليوم، يواصل الجنوب اللبناني كتابة فصولٍ خالدة من الصمود والوعي الشعبي، في معركة مفتوحة لم تقتصر على مواجهة الاحتلال العسكري، بل امتدّت إلى مقاومة كل أشكال الهيمنة والاستضعاف. فعلى مدى خمسةٍ وعشرين عامًا، ظلّت إرادة أبناء الجنوب عصيّة على الانكسار، وواصلت المقاومة تثبيت معادلة الردع والسيادة، في وجه عدوٍ لا يزال يتربّص بأرضٍ وشعبٍ لم يغفر له الاجتياح ولا النهب ولا المجازر.

لقد تكسّرت على عتبة إرادة الجنوبيين وعنجهية مقاومتهم كل أوهام الاحتلال، الذي خرج ذليلًا تحت وقع ضربات المقاومين، وسيخرج من كل أرضٍ يحتلّها بالذلّ ذاته، محمولًا على صدى الهزيمة وثبات أصحاب الحق. فالجنوب، الذي كان أول من رفع راية التحرير، لم يُسقِطها مع تعاقب السنوات، بل ثبّتها بالدم حينًا، وبالموقف حينًا آخر، وبالقرار الشعبي والسياسي دائمًا.

اليوم، في الذكرى الخامسة والعشرين لتحرير الجنوب، تتجدّد الصورة نفسها: حضور جماهيري واسع في القرى والبلدات، وفعاليّات شعبية ورسمية تؤكد أن التحرير لم يكن محطةً عابرة، بل لحظةً مؤسِّسة لمسارٍ طويل من التمسّك بالثوابت الوطنية، وعلى رأسها مقاومة الاحتلال ومواجهة المشروع الصهيوني بأدوات متعددة، تبدأ من البندقية ولا تنتهي عند صناديق الاقتراع.

وفي حين يحتفل اللبنانيون بهذه المناسبة، تتقاطع الرمزية مع الواقع الميداني والسياسي. فالجنوب الذي طرد الاحتلال لا يزال في خطّ المواجهة الأول، سواء في التصدي للخروقات اليومية للعدو، أو في حفظ التوازنات السياسية التي أرستها المقاومة داخليًا وإقليميًا. كما أنّ مشاركة الجنوبيين في الاستحقاقات الانتخابية البلدية والاختيارية، جاءت لتترجم وعيًا عميقًا بحماية المنجزات، ولتؤكّد أن من صنع التحرير، قادر على صون السيادة وتثبيت الاستقرار، ليس فقط بالسلاح، بل أيضًا بالصوت والموقف والقرار الحر.

إنّ ربع قرنٍ على التحرير، لم يكن زمنًا للنسيان، بل مناسبة لتثبيت الحقيقة: الجنوب لم يهزم، والمقاومة لم تنكسر، والعدو لا يزال عاجزًا عن فرض إرادته على شعبٍ خبر المعركة، وعرف طريق النصر، وارتضاه نهجًا لا رجعة عنه.

المصدر: موقع المنار