ذكاؤك رأس مالك.. فلا تهدره في "الفهلوة"!

صوت الامة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ذكاؤك رأس مالك.. فلا تهدره في "الفهلوة"!, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 03:36 مساءً

خبرٌ عابر نُشر في الصحف قبل أيام، لكنه استوقفني طويلًا، وأثار في نفسي من التأمل والدهشة أكثر مما أثار من السخط والغضب.

 

فقد قرأنا عن إحالة 21 موظفًا في القطاع الصحي بمحافظة مصرية إلى المحاكمة التأديبية بعد اكتشاف تلاعبهم بنظام البصمة الإلكترونية، باستخدام أصابع سيليكون مقلّدة، في محاولة ماكرة لإثبات الحضور والانصراف دون أداء فعلي للعمل.

 

قد يراها البعض مجرد مخالفة إدارية، لا تستحق هذا القدر من الجدل، لكنها في جوهرها، تكشف عن خلل أعمق من مجرد تجاوز قانوني؛ إنها صورة فاضحة لعقلية "الفهلوة" التي لا تزال – بكل أسف – تحكم سلوك البعض في مؤسساتنا، فهؤلاء لم يكونوا جهلاء ولا محدودي القدرات، بل على العكس تمامًا، أظهروا قدرًا من الذكاء والتخطيط والابتكار يحسدهم عليه عباقرة التقنية، لكنهم – وهنا الطامة – سخّروا عقولهم لهدم المنظومة لا لبنائها، وللتحايل على القانون لا لابتكار ما ينهض بالمؤسسة.

 

فهل سألنا أنفسنا: ماذا لو وُجّه هذا الذكاء في مساره الصحيح؟.. ماذا لو ابتكر أحدهم نظامًا إلكترونيًا يحسّن الأداء ويرتقي بكفاءة المؤسسة بدلاً من تزوير بصمة؟.. ماذا لو كانت هذه "الفهلوة" طاقة مبدعة لا أداة خادعة؟.. أليس من الأجدى أن نحتفي بهذا العقل لا حين يخرق النظام، بل حين يصنع الفارق ويضيف إلى رصيد الوطن لا أن ينقص منه؟..

 

من المعروف جيدا إن المواطن المصري حين يقرّر أن يبدع، يُذهل العالم، يشهد بذلك اسمه اللامع في كبرى شركات التقنية، وتفوّقه في معامل الأبحاث، وابتكاراته التي تحصد الجوائز العالمية.

 

مع الأسف لم تكن مشكلتنا يومًا في ضعف الإمكانات ولا في غياب العقول، بل في سوء استخدام النعمة، وتحويل الذكاء من محرّك للتقدّم إلى أداة للتحايل، ومن طاقة بنّاءة إلى وسيلة لتحقيق مصالح فردية على حساب الصالح العام.

 

ويؤسفني القول إننا أصبحنا أحيانًا نكافئ "الفهلوة" ونصف صاحبها بـ"الشطارة" و"الدم الخفيف"، ونروّج لثقافة يتفاخر أصحابها بقدرتهم على "اللف والدوران" أكثر من التزامهم بالواجب والعمل ، يُحسن الواحد فيهم خرق القواعد ويعتبر ذلك براعة، ويضرب بالقوانين عرض الحائط ظنًا منه أن الذكاء يُقاس بمدى المراوغة لا بصدق العطاء.

 

لكن، هل هذا هو الذكاء الحقيقي؟

 

الذكاء الأصيل لا يختبئ خلف أقنعة الغش، ولا يتستر بستار الخداع بل إن الذكاء الحقيقي هو الذي يصنع حلولًا لا أزمات ويرتقي بالمؤسسات، لا يُثقل كاهلها ويبتكر في العلن، لا يتحايل في الظل ، ذلك هو العقل الذي يُسخّر إمكاناته للارتقاء بالذات والمجتمع، لا للتسلّل خلسة عبر ثغرات القانون.

 

أيها المواطن "الفهلوي"، اعلم أن الطرق المختصرة لا توصلك إلى النجاح، بل إلى الفشل والعقاب ، وأن المراوغة ليست فطنة بل خديعة، والخداع لا يبني وطنًا. 

 

إن الفطنة في أن تترك أثرًا طيبًا، لا أن تُحدث شرخًا في منظومة تنهض بك وبمن حولك ، فالبركة لا تسكن عملًا مزوّرًا، والنجاح لا يولد من رحم الغش فاتقوا الله في كل قول وفعل علنا ننجو جميعا.

 

نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى عقولٍ راشدة تتّخذ من الضمير دليلًا، ومن المسؤولية طريقًا، ترى في كل عثرة فرصة، وفي كل صعوبة شرارة انطلاق ، فلنُعد توجيه ذكائنا نحو الإبداع لا الاحتيال، نحو البناء لا التهالك، نحو الرقي لا التردي.

 

ودعونا – أخيرًا – نكفّ عن لوم الزمان وتعداد مساوئ الواقع دون أن نُلقي نظرة صادقة على أنفسنا ، ما بالنا نندب حظنا ونقارن أنفسنا بالغرب ، ثم نعود لممارسة ذات السلوكيات التي تُجهض كل محاولة للإصلاح؟ وكما قال الشاعر:

 

نعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا.. وما لزمانِنا عيبٌ سوانا

 

فابدأ بنفسك، واضبط بوصلة ضميرك، فإن القوانين قد تردع، لكنها لا تصلح من لا يملك ضميرًا حيًا، والإصلاح يبدأ من الداخل من الفرد كي يستقيم المجتمع ، من تلك اللحظة التي يختار فيها الإنسان أن يكون نزيهًا حتى في غياب الرقيب.

 

أيها الفهلوي أرجوك ارحمنا واجعل من ذكائك قيمة مضافة، لا عبئًا على المجتمع واحفظ رأس مالك من التبديد، فالذكاء حين يُساء استخدامه، ينقلب نقمة على صاحبه وعلى وطنه ولن تجني في النهاية سوى الخسارة والفضيحة وغضب الله .

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق