الحرب التي لا تنتهي داخلنا: الأذى النفسي الصامت في لبنان

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحرب التي لا تنتهي داخلنا: الأذى النفسي الصامت في لبنان, اليوم السبت 10 مايو 2025 05:14 صباحاً

رغم مرور سنوات على الحروب المتكررة التي عصفت بلبنان، فإن الندوب التي خلّفتها لم تكن دائمًا على الجدران، بل عميقًا في الأرواح. ومع تجدّد الاعتداءات الإسرائيلية، يتفاقم الأذى النفسي، ويعيد اللبنانيون خوض معركة من نوع آخر: الصمود الداخلي، وهو لا يقل أهمية عن غيره من المعارك، ولا يجوز إهماله أو عدم الإعتراف به.

الضرر النفسي الناتج عن الحروب لا يُقاس فقط بعدد الإصابات الجسدية أو الخراب العمراني. بل هو أعمق، وأصعب قياسًا، لأن ألمه يستمر خفيًا، ويُصيب الأطفال والكبار، الأمهات والجنود، والمدنيين على حد سواء.

دراسات دولية، منها تقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، تُظهر أن المناطق التي تتعرض لحروب متكررة تسجّل معدلات مرتفعة من اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق المزمن. في لبنان، حيث الحرب هي جزء من الذاكرة الجماعية، وتغدو هذه الظواهر أشبه بـ"طبيعة مكتومة" للحياة اليومية، لا يُلتفت إليها كما يجب.

"كنت أسمع القصف فوق رأسي كأن السماء تنهار"، يقول عامر، شاب من بيروت اضطر لمغادرة المدينة بعد الحرب الأخيرة بحثًا عن السكون. ويضيف: "خلال مرحلة الحرب لم أكن أشعر بالقلق أو الخوف، فكنت أعتبر نفسي قوياً، لكن ما بدأت أشعر به بعد الحرب كان غريباً".

يُشير عامر إلى أنه إلى جانب بعض أصدقائه يتعرضون إلى نوبات من الهلع، وكل واحدة منها تأخذ شكلاً مختلفاً، وتتحرك لأسباب مختلفة، وبعضها كان أشبه بشعور الموت.

أما فاطمة، وهي أم لولدين من الجنوب، فتقول: "أطفالي يستيقظون مذعورين من صوت الطائرات حتى بعد توقف القصف". لجأت إلى رواية القصص والتسجيل في أنشطة فنية، كوسيلة لتغيير صورة الحرب في أذهانهم. تقول: "أنا أيضًا شاركتهم الرسم. كنت بحاجة لشيء يُخرجني من دوامة الذكريات السيئة التي لم تنته فصولها بعد".

في ظل هذا الواقع، تصبح المواجهة النفسية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. لا يكفي الحديث عن إعادة الإعمار أو وقف إطلاق النار، إن لم تترافق مع خطط ممنهجة لدعم الصحة النفسية، وهو ما تشدد عليه مصادر نيابية بارزة، مشيرة عبر "النشرة" إلى أنه يجب إدخال برامج الدعم النفسي إلى المدارس، توفير جلسات علاج مجانية أو بأسعار رمزية، وتمكين العاملين في الشأن العام من أدوات مواجهة الضغط".

وتضيف المصادر: "بعد الحرب، استمر العدوان بأشكال مختلفة، فالعدو لا يزال حاضراً، ولكننا كلبنانيين لم نقم بواجباتنا مع بعضنا البعض، وكسياسيين شاركنا العدو حربه على الصحة النفسية للمواطنين، فاستمرت الصراعات والخلافات والتصعيد"، مشيرة إلى أن الإعلام أيضاً يتحمل مسؤولية وعليه أن يؤدي دورًا في كسر وصمة العار المرتبطة بالاضطرابات النفسية.

لا تزال الحرب مستمرة بأشكالها المتعددة. قد يتوقف القصف، لكن القلق، والرعب، والحزن، تستمر في النفوس. مواجهة هذا الواقع لا تكون فقط بالمواقف السياسية أو بالمساعدات الإنسانية، بل بترميم الداخل، بالاعتراف بالألم، وبمنح المواطن اللبناني حق الشفاء النفسي وهو حقّ لم يحصل عليه منذ الولادة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق