نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التطبيع بين سوريا واسرائيل وتراجع قضية فلسطين, اليوم الاثنين 19 مايو 2025 06:18 صباحاً
يمر الشرق الأوسط بمرحلة تحول جذرية تعيد تشكيل صورة المنطقة والعلاقات بين دولها بشكل غير مسبوق. وما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ ايام حول قرب التطبيع بين سوريا واسرائيل، يمثل نموذجاً للتغيير الاستراتيجي الذي قد يعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة بأكملها. هذا التحول يأتي بعد سنوات من الصراع والاضطراب، ليفتح الباب أمام مسارات سياسية وعلاقات دبلوماسية جديدة كانت تُعتبر مستحيلة في الماضي القريب.
ومع تكاثر الكلام عن التطبيع السوري-الاسرائيلي، يعكس رغبة القيادة السورية الجديدة في ارضاء الغرب وتحديداً الادارة الاميركية، وتأمين غطاء لباقي الدول العربية للانضمام الى "اتفاقية ابراهام" بعد ان كانت سوريا تعتبر "احدى الدول الاساسية الممانعة".
يتسم المسار التطبيعي بين الطرفين بخصوصية مختلفة عن مسارات التطبيع الأخرى في المنطقة. فالجولان المحتل يشكل عقدة مركزية في هذه العلاقة، لكن المقاربة الجديدة تقوم على فصل مسارات التعاون الاقتصادي والأمني عن قضايا الحل النهائي. تدرك القيادة السورية الجديدة أن استعادة الجولان قد تكون دخلت في المجهول، لكنها لا ترى في ذلك عائقاً أمام بناء علاقات تعاون في مجالات أخرى. الانفتاح السوري على إسرائيل يأتي مدفوعاً بعوامل عدة، ابرزها الحاجة الماسة لإعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن رغبة القيادة السورية الجديدة برئاسة ابو محمد الجولاني (احمد الشرع)، في الظهور على الساحة الإقليمية والدولية والخروج من حالة العزلة التي فرضت على دمشق لسنوات.
وبما ان سوريا هي الجارة الاقرب الى لبنان جغرافياً من بين الدول العربية، فإن ما يحصل فيها لا بد ان ينعكس على ساحته الداخلية، فالتركيبة السياسية اللبنانية المعقدة، والتوازنات الدقيقة بين مكوناته المختلفة، تجعل من مسألة تحديد موقف موحد من التطبيع أمراً بالغ الصعوبة. القوى السياسية اللبنانية منقسمة حول هذه القضية، بين من يرى في التطبيع فرصة اقتصادية يمكن الاستفادة منها، ومن يعتبره تفريطاً في قضايا الأمة المصيرية. الموقف اللبناني الرسمي يبدو متردداً، كونه يرغب في تفادي احتكاكات داخلية قد تؤدي الى شرارة حرب او مواجهات غير مرغوبة، والعمل على ارضاء الخارج الذي يضغط في سبيل ان ينتهي لبنان من مسألة العداوة مع اسرائيل، خصوصاً اذا ما وجد نفسه وحيداً في الميدان بعد تطبيع العرب وسوريا مع تل ابيب.
ولا يمكن اعتماد لبنان على اشقائه العرب، فالدول العربية، التي طالما جعلت من القضية الفلسطينية محور سياساتها الخارجية، تبدو اليوم أكثر اهتماماً بمصالحها الاقتصادية والأمنية المباشرة.
ما نشهده اليوم من تحولات في الشرق الأوسط يثير تساؤلات جوهرية، فهل نحن امام ولادة شرق أوسط جديد بمفاهيم وعلاقات مختلفة، أم أن هذه مجرد تحولات موقتة فرضتها ظروف استثنائية؟ ولا بد هنا من انتظار نتيجة تجارب التطبيع القائمة في تحقيق منافع ملموسة للشعوب، كما أن مستقبل القضية الفلسطينية وآفاق حلها سيظل عاملاً حاسماً في تحديد مسار العلاقات الإقليمية، ولو ان الترجيحات كلها تشير الى ان هذه القضية باتت رهينة المزاج الاميركي-الاسرائيلي ومن المرجح ان يتراجع الاهتمام بها الى الحد الادنى في الفترة المقبلة، خصوصاً اذا ما كان مصير غزة مشؤوماً كما يتم الحديث عنه، وفي ظل اطلاق يد اسرائيل ضمن الاراضي الفلسطينية وخارجها على حد سواء، وتسليمها مهام شرطة المنطقة كما كان الحال عند تسليم لبنان لسوريا في فترة التسعينات من القرن الفائت.
ما يمكن تأكيده هو أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة مفصلية تعيد تشكيل هويته وعلاقاته، وأن الصورة النهائية لهذا التحول ستتحدد بناءً على تفاعل عوامل داخلية وإقليمية ودولية معقدة ومتشابكة، علماً ان المؤشرات بدأت تتكاثر، ولم يعد هناك من امور مخبأة.
0 تعليق