نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأهلي مثل اليابان.. قنبلة قاتلة وذاكرة حزينة.. وعودة سريعة للحياة, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 05:57 مساءً
في السادس من أغسطس للعام 1945 تغير مكان في أقاصي الشرق البعيد.. بلد غريب يدعى اليابان.. لم يكن معروفًا بما فيه الكفاية لهذا العالم قبل أن يلقي على أرضه طيار أمريكى يدعى الكولونيل بول تبيتس، قنبلة نووية حولت مدينة هيروشيما، إلى تراب وأنقاض وجثث متفحمة.. كانت لحظة فارقة في تاريخ البشرية.. كانت نهاية لا بدايات بعدها..
في السابع والعشرين من يونيو للعام 2022، هبط الفريق الأهلاوي إلى مصاف الدرجة الأولى، بعد عجزه عن تحقيق الانتصار أمام الشباب، فتحول ملعب الملز إلى مسرح مفتوح لوجوه دامعة، تتابع عشقها الكروي يتهاوى إلى باحة مكتظة بظلمات لا تعرفها أندية مضيئة اعتادت على الرقص والغناء والفرح في ليالي البطولات والإنجازات والضحكات الطويلة..
ما احتاج اليابانيون سنوات طوال للملمة كارثتهم، وتضميد جراحهم، ومداواة بلوتهم ومصيبتهم.. ما عاد البكاء على الأطلال والحزن والألم، عنوانًا لحياتهم وأيامهم.. تركوا الماضي للمؤرخين وكتب التراث ونشرات الأخبار.. انتفضوا كالعواصف المفاجئة، وراحوا يلاحقون المستقبل لبناء بلاد نموذجية في الصناعة والعمل والإتقان والتحديات.. باتت اليابان مثالًا حيًا وحيويًا للسرعة والجودة، واحترام الوقت والوقوف من تحت الركام.. اليابان الآن دولة البراعة والتميز والدقة والحسابات الصحيحة..
هو الأهلي.. كما اليابان.. كما تريد الحياة.. كما تعرف الصعاب، الفوارق المتضحة بين أولئك القادرين على تخطي كل عقبات الزمن ونوائب الدهر وعثرات الدنيا.. كما هو الأهلي بتاريخه الذي ما كان يليق به سوى المشي متشمخًا بثقة وكبرياء بين عمالقة كرة القدم.. الأهلي الذي عرفه مارادونا.. الأهلي الذي قال عنه تيلي سانتانا ذات يوم إنني أدرب فريقًا يشبه البرازيل.. الأهلي الذي أضنى محبيه عشقًا وهيامًا وارتضوا أن يوصموا بالمجانين من أجله..
حين هبط وصار اسمه بين فرق تتصارع على الصعود إلى الكبار ظن الظانون، أن هذا الأهلي سيواجه مصيره المعتم وحيدًا كرجل غريب تقطعت به السبل، في أرض غريبة لا يعرف أهلها، ولا يبخص عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، لكن جمهوره المفتون ظل يلاحقه في كل مكان.. يسانده دون أن يفرح أو يحتفل.. لقاء أضداد لا يتواءم مع سلوكيات البشر الأسوياء.. يتمنون انتصاره وفوزه دون فرح أو تهليل.. تمامًا كمن يعود مريضًا ملقى على سرائر الوجع، فليس أمامه وبين يديه سوى الزيارة والمساعدة والمساندة وأمنيات الشفاء.. أما الفرحة فهي مؤجلة حتى يستعيد قواه، وعافيته وقدراته كاملة.. كان الأهلي بالفعل كالرجل المريض، ولم يتخلَ عنه أهله ومحبوه.. لم يتركوه يواجه مشارط الأطباء داخل غرفة العمليات دون أن يكون صوتهم يصدح وراء الأبواب الموصدة حتى يطمئن أنه لن يكون وحيدًا.. عبد الهادي ابن الصديق الأقرب إلى الروح في هذا العالم، الدكتور راشد بن زومه يحب الأهلي بتودد.. سجل حضورًا ثابتًا في كل مباريات الأهلي الجداوية.. ابن عائلة ضاربة في تفاصيل المال والأعمال.. ما كان يختار المقاعد الوثيرة في الدرجات المميزة.. بين حناجر المصوتين الصاخبة ووسط ما يسمى مجازًا برابطة المشجعين يتوشح عبد الهادي بن زومه قميص الأهلي ذا اللون الأخضر المتغمق، ويصدح بما ترك له الزمن من حبال صوتية لإعانة هذا الأهلي حتى تعود المياه الشاردة إلى مجاريها التي عرفتها كل الجداول الصغيرة والأنهار العذبة والمحيطات العميقة.. بجانب عبد الهادي تشيكلة محبة من الأهلاويين الذين قرروا ودون اتفاقية مسبقة الانتظام في هذه الرحلة حتى ينهض الرجل المريض ويستعيد عافيته ويغادر ممرات المستشفيات.. بجانب عبد الهادي طبيب أسنان لم يكمل العامين من التخرج.. مدرس يحب مهنته وطلابه.. موظف في شركة تأمين يتحدث ثلاث لغات.. عازف كمان موهوب ورث حب الأهلي من محمد عبده وعبادي الجوهر وطلال سلامة كما يقول.. دارسون في الجامعات وبمختلف التخصصات.. كبار تجاوزوا الستين ربيعًا وتقاعدوا من مهام الوظيفة، وبقي الأهلي ملاذهم وحرفتهم الممتدة بامتداد العمر القصير.. كلهم يعشقون الأهلي كما تعشق الأراضي الجدباء سحابة محملة بالأمطار الوفيرة.. قلوب ترى في الأهلي شيء يشبه السحر الحلال.. الحب حين يكون بلا فوائد وبلا مصالح وبلا مكاسب.. حب يأتي مثل الأقدار والأسماء والأهل والأصدقاء..
لا يحب اليابانيون، رؤية مشاهد الدمار في هيروشيما.. لا يحب الأهلي تذكر الهبوط.. لا يحبون أيضًا رؤية قائدهم المسيليم متوجًا بكأس دوري يلو.. يتباهى اليابانيون ببلادهم المشمسة على كل تفاصيل الحياة الصعبة.. يتحدون الزلازل والبراكين كل يوم.. تركوا السادس من أغسطس والطيار الأمريكي وقنبلة هيروشيما وراء ظهورهم وأقبلوا على العالم المتحضر فلم يصبحوا مجرد دولة.. صاروا كوكبًا متفردًا بالحيوية والنظام.. صاروا كوكب اليابان..
هم الأهلاويون.. جعلوا من ليلة الشباب الحزينة، نسيًا منسيًا.. تجاهلوا صورة تتويج يلو.. تجاوزوا عواصف السخرية والتقزيم.. وصلوا بكل عواطفهم وجنونهم إلى أهم بطولة في قارة آسيا.. أهلًا بالأهلي في مكان يليق به.. أهلًا بالأهلي الذي عرف سانتا قدره ومقداره.. أهلًا بالأهلي الذي يغني جمهوره دومًا «مهما حصل مهما جرى تبقى كبير».. أهلًا به في القمة حيث البطولات الكبيرة والذكريات الخالدة وصرخات عبد الهادي..!!
0 تعليق