نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شاذلى دنقل يكتب عن ذكرى الفارس النبيل المبدع الشاعر أمل دنقل, اليوم الجمعة 23 مايو 2025 03:33 مساءً
وعلي ضفاف النيل العظيم وتحت شمس الجنوب الساخنة ولد الأبداع والمبدعين الحقيقيين وخرجوا لنا إبداعا خاصا ببيئتهم متأثرين بها أشد تأثير فأنجب لنا هذا الجنوب الخصب عباس محمود العقاد وطه حسين ويحي الطاهر عبد الله ومحمود حسن إسماعيل وعبد الرحمن الأبنودي وغيرهم وغيرهم من مبدعي مصر المتميزين ووسط هؤلاء المبدعين الحقيقيين ظهر نجما حقيقيا في سماء الإبداع هو الشاعر الكبير والفارس النبيل الجنوبي المتمرد الحالم أمل دنقل الذي تميز بعزة النفس والصدق والصراحة والإخلاص لقضيتين أساسيتين هما الشعر والوطن فلم ينشغل إلا بهم ولم يتهاون في أي شيء فالحديث عن هذا المبدع الحقيقي وصفاته لا ينتهي فهو واحد من أهم الشعراء علي الإطلاق ولكي يعرفه الجميع فكان لابد أن نتحدث اولا عن #نشأته_ومولده
أه ما اقسي الجدار
عندما ينهض في وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر
كي نثقب ثغره
ليمر النور للأجيال مرة
ربما لو لم يكن هذا الجدار
ماعرفنا قيمة الضوء الطليق
ويسرد شاذلى دنقل #مولد أمير شعراء الرفض "أمل دنقل"
هو محمد أمل فهيم أبو القاسم محارب دنقل ولد عام 1940م في جنوب مصر الجميل بقرية القلعة ،مركز قفط محافظة قنا ،وسمي أمل بهذا الأسم لأن والده في تلك السنة التي أنجبه فيها حصل علي شهادة العالمية من الأزهر الشريف والتي تعادل درجة الدكتوراه حاليا فسماه أمل تيمنا به أن يصبح هذا الأبن شخصا مختلفا عن الأخرين في المستقبل فكان والده رحمة الله عالماً أزهريا يكتب الشعر العمودي،ويقوم بالخطب في المساجد ويملك من الشجاعه الحقيقيه ما لايملكه أحد حينها في مواجهة أي شيء بأنتقاداته اللازعه وهو أعلي المنبر كما أنه كان يمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي مما أثر كثيراً في أمل دنقل وساهم في تكوين اللبنة الأولى له كقاري نهم ومن ثم ككاتب ومبدع حقيقي . ولكن لم يدم وجود الأب طويلا إذ توفي شابا وأبنه الأكبر أمل في العاشرة من العمر فأصبح أمل دون أن يدري رجل البيت الحقيقي والحامي لأمه وأخوته الصغار فتحمل المسئولية مبكرا فقام بقراءة وإلتهام كل الكتب التي تركها له أبوه في المكتبة وكان يقوم أيضا بالخطب في المساجد ثم إزداد صقلا وموهبة وكان معه رفيق دربة وصديقه عبد الرحمن الأبنودي الذي يكتب الشعر العامي ولكن أمل اختار شعر الفصحي
..
( الأب في الوقفه فارس
والرب صاين وحارس
علي الوش تقوي وبراءه
والقلب مليان جراءه
أخد الشهادة الكبيرة
والعلم سكه وبصيرة
ربك وهب له خليفة
والأم نضره وشريفه
سماه أمل والاسم يكبر بيه
حلمه أكتمل وأهو بأن خلاص في عنيه
وفي سن العشر سنين
مات الأب الأمين
صبح الأمل حزين
لكن ربك معين
لكن ربك معين
كبر الولد شاب وفرد
فوق المنابر راح خطب
عجب العجب
مهو ولد أبوه صوته لهب
( من قصيدة فارس للشاعر شاذلي دنقل)
أنهى أمل دنقل دراسته الثانوية بمدينة قنا, وإلتحق بكلية الآداب في القاهرة لكنه إنقطع عن متابعة الدراسة منذ العام الأول ليعمل الأثنين هو والأبنودي سويا في المحكمه ولكنهما لم يمكثا كثيرا في تلك الوظيفة إذ أن أخلاصهما الأكبر كان للشعر فقررا أن يتوجها سويا إلي القاهره ليقتحما الوسط الثقافي هناك متطلعين للوصول إلي حلمهم الأكبر وهو الشعر فتوجه أمل دنقل قبلها الي السويس ليعمل هناك وقام ساعتها بتأليف قصيدة عن قناة السويس وتم تكريمة من قبل محافظ القناه
......
( قام مغادر علي القناة
راح وخد صوته معاه
كتب قصيدة عن الحياة
عن الجنود وعن المشاة
ساعتها حس بأن دوره خلاص بدأ
وإن الكلام ممكن يغير في الطرق وبدأ طريقه وسكته
والشعر أصبح فرحته
عن كل شيء أبدع كتب
عن الملك وعن الكتب
عن العدو المغتصب
عن الفرح وعن الغضب
عن كل حارة في البلد
عن كل نور في عيون ولد
عن كل مهره بتتوئد
عن كل شمس بتتولد
عن كل زهره بتتحصد
عن كل قيمة بتتجلد
عن أي فكرة بتتوجد
زي الجبل زي الوتد
بعد أما غاب عنا الجسد
مفضلش غير اللي اتكتب
عاشت قصايده للآبد
عاشت قصايده للآبد
(من قصيدة فارس للشاعر شاذلي دنقل)
بعدها توالت قصائدة بعد أن توجه إلي القاهره ولكن لم ينل الشهرة كامله أويصبح في الصفوف الأولي في شعراء العصر الحديث إلا حين قام بكتابة قصيدته الشهيره البكاء بين يدي زرقاء اليمامه والتي استلهم فيها أسطورة زرقاء اليمامه الشهيره في التراث القديم وفي تلك القصيدة تنبأ أمل هزيمة ٦٧ فتحولت تلك القصيدة من قصيدة عادية الي أشهر قصائد الشعراء وجعلته ف الصفوف الأولي وبدأ تلك القصيدة بصرخة زرقاء اليمامه قائلا:
أيتها العرافة المقدَّسةْ
جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ ..
عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بإرتشاف الماء..
فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!
أسأل يا زرقاء ..
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !
عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟
كيف حملتُ العار..
ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !
تكلَّمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي .. باللهِ .. باللعنةِ بالشيطانْ
لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان ..
تلعق من دمي حساءَها .. ولا أردُّها !
تكلمي ... لشدَّ ما أنا مُهان
لا اللَّيل يُخفي عورتي .. كلا ولا الجدران !
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها ..
ولا احتمائي في سحائب الدخان !
إلخ تلك القصيدة الرائعة
ثم توالت أشعاره الرائعه والتي كما قلنا من قبل أنه إستوحاها من رموز التراث العربي وبعد ٦٧ تحول أمل دنقل إلى وحدا من أهم وأبرز الشعراء العرب وكان ديوانه الأول البكاء بين يدي زرقاء اليمامه علامه مؤثره جدا في الشعر الحديث فالأقنعة التي يحتوي عليها الديوان والأصوات الناطقة في القصائد تحمل ملامح تراثية جعلت بينها وبين القراء تواصلا حميميا كذلك تميزت قصائد الديوان بالتقنية العالية وأحتوي هذا الديوان علي قصائد البكاء بين يدي زرقاء اليمامه وحديث خاص مع أبو موسي الأشعري ومن مذكرات المتنبي وكل تلك القصائد استلهم أمل فيها الرموزالقديمة
ومن قصيدة إلي قصيدة أخري وحدث إلي حدث أخر يواصل هذا المبدع المتمرد أمل دنقل إبداعه الحقيقي وإطلاق قذائفة معلنا الحقيقه علي الملأ
اما اشهر قصائدة علي الأطلاق فهي قصيدة لاتصالح والتي كتبها إعتراضا منه علي إتفاقية السلام بين مصر والعدو الأسرائيلي إذ يري أنه لاسلام مع الأعداء مهما حدث وتلك القصيد أيضا أستلهم فيها روح الزير سالم في الملحمة الشهيرة حرب البسوس التي أستمرت أربعين عاما فأنطلق يقول.
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(٢)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
الخ تلك القصيدة الرائعة والتي تركت صدي كبيرا في كل بقاع العالم لما تحويه من قوه في الكلمات والمعاني وماتمثله من صرخة حقيقيه في مواجهة الصلح مع العدو الغاشم الذي ما يزال حتي الأن يواصل أعماله الإجراميه ضد إخواننا الفلسطنيين الأبرياء فكلما زاد العدو بطشة أزدادت تلك القصيدة توهجا وأنتشارا
أستمر أمل في كتبة الشعر كالفارس الذي يجوب البلاد فكتب قصائد رائعه مثل (مقابلة خاصة مع ابن نوح ،الطيور، تعليق ماحدث في مخيم الوحدات، العهدالأتي،الخيول ،من أوراق ابو نواس) وغيرها وغيرها من القصائد الرائعه التي تزداد توهجا وبريقا يوما بعد يوم فهي تصلح لكل مكان وزمان
واصل المبدع كتاباته وإخلاصه للكلمه وللوطن
إلي أن داهمه المرض اللعين السرطان وأحتجز في الغرفه رقم ٨ بمعهد الأورام بالقاهره ولكنه حتي وهو علي فراش الموت أبدع ديوانه الأخير
( أوراق الغرفه ٨) والذي ظهر فيه أمل دنقل الإنسان الرقيق أكثر منه المتمرد فأبدع أجمل الكلمات ففي أحدي قصائد الديوان بعنوان (زهور)
يتغزل أمل في تلك الزهور التي كانت تقدم له في المستشفي كتعبير عن مواساته في مرضه فقال فيها
وسلالٌ منَ الورِد
ألمحُها بينَ إغفاءةٍ وإفاقه
وعلى كلِّ باقةٍ
اسمُ حامِلِها في بِطاقه
تَتَحدثُ لي الزَهراتُ الجميلهْ
أن أَعيُنَها اتَّسَعَتْ - دهشةً -
لحظةَ القَطْف
لحظةَ القَصْف
لحظة إعدامها في الخميلهْ!
تَتَحدثُ لي..
أَنها سَقَطتْ منْ على عرشِها في البسَاتين
ثم أَفَاقَتْ على عَرْضِها في زُجاجِ الدكاكينِ, أو بينَ أيدي المُنادين,
حتى اشترَتْها اليدُ المتَفضِّلةُ العابِرهْ
تَتَحدثُ لي..
كيف جاءتْ إليّ..
(وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ)
كي تَتَمني ليَ العُمرَ!
وهي تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!!
كلُّ باقهْ
بينَ إغماءة وإفاقهْ
تتنفسُ مِثلِىَ - بالكادِ - ثانيةً.. ثانيهْ
وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ...
اسمَ قاتِلها في بطاقه
ففي تلك القصيدة يشبة نفسه بتلك الزهور التي تحتضر مثله وهي تتنفس بصعوبة بالغه كي تتمني له طول العمر وهي تموت بعد أن تم قطفها من علي عرشها في البساتين
وكان هذا الديوان أخر دواوينه الشعريه قبل الرحيل إذ قام أمل دنقل بأصدار ٦ دواوين شعريه في فترة عمره القصيره بالإضافة إلى قصائد ومسرحيات أخري لم تنشر بعد والدواوين هي:-
البكاء بين يدي زرقاء اليمامه
مقتل القمر
العهد الأتي
تعليق علي ماحدث في مخيم الوحدات
اقوال جديده عن حرب البسوس
أوراق الغرفه ٨
ترك لنا تلك الدواوين التي ماتزال تلاقي صدي واسعا في كل مكان وتعبر عن شاعر قومي كبير إستطاع بشعره أن يناقش كل قضايا وهموم وطنه المطروحة علي الساحة وأن يكون حاضرا وبشده وسط كل الأحداث وألا يبتعد عن الشارع ونبضة الحقيقي والجماهير العريضه وأن يكون مخلصا للكلمه
فتلك هي وظيفة الشعر الحقيقي التي أمن بها أمل دنقل وهي أن يكون صوت حقيقي ومخلصا لشعرة وأبداعه محبا لوطنه
في الواحد والعشرون من مايوعام ١٩٨٣ توقف قلب أمل دنقل عن النبض وتوفي متأثرا بمرضه في الغرفة رقم ٨ بمعهد الأورام عن عمر يناهزال ٤٣ عاما وذهب لملاقاة أصدقاؤه وأخته الصغيرة وكل الأحبة الذين رحلو قبله والذين كتب عنهم في قصيدتة الرائعه (الجنوبي)
وهو في الغرفه ٨ منتظرا الموت قائلا في نهايتها متذكرا ومتشوقا لملاقاتهم
- هل تريد قليلاً من الصبر ؟
لا
فالجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه
يشتهي أن يلاقي إثنتين
الحقيقة و الأوجه الغائبة
وهاهو ذهب لملاقاة الأوجه الغائبة رحل ولكنه يعيش بين كلماته وإبداعاته الحقيقيه يعيش بين محبيه مع سطوره الشعريه التي تزداد توهجا يوما بعد يوم
إنه الجنوبي المبدع أمل دنقل
الذي قال ومازال يقول
معلق أنا علي مشانق الصباح
وجبهتي بالموت محنية
لأنني لم أحنها حية
من قصيدة كلمات إسبارتاكوس الأخيره)
.........
( بعد أما غاب عنا الجسد
مفضلش غير اللي اتكتب
عاشت قصايده للأبد
عاشت قصايده للأبد
( من قصيدة فارس للشاعر شاذلي دنقل)
0 تعليق