نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين رماد "فوردو" ووهج التصعيد.. لحظة مفصلية بمسار نووي إيران, اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 06:44 مساءً
في منعطف حرج من تاريخ المواجهة النووية بين إيران والغرب، جاءت ضربة منشأة "فوردو" كحدث يتجاوز البعد العسكري إلى رسائل سياسية واستراتيجية ثقيلة الوطأة. منشأة نووية تحت الأرض، محصّنة بجبل من الصخر، تُستهدف وتُصاب بأضرار جسيمة، وتُغلق مداخلها بالإسمنت، في مشهد يثير أسئلة وجودية: هل انتهت قدرة إيران على العودة إلى حافة القنبلة النووية؟ أم أن طهران بدأت فعليًا مرحلة إعادة تموضع أكثر سرية وذكاء؟
في وقت تؤكد فيه واشنطن أن برنامج إيران النووي تأخر لسنوات بفعل العملية، تتمسك طهران بنغمة التحدي، وتتوعد بالرد، وترفض العودة إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط. هكذا تتقاطع الخطوط بين روايتين: رواية النصر الأميركي، وسردية "الصمود الإيراني". أما الحقيقة، فتبدو مدفونة في أقبية "فوردو"، تنتظر تفتيشًا دوليًا غائبًا، وربما صفقة لم تكتمل بعد.
ضربة فوردو... بين الدمار والتكتيك
تشير صور الأقمار الاصطناعية التي التقطت بعد الضربة الأميركية إلى تدمير كبير لجزء مهم من البنية التحتية لمنشأة "فوردو"، التي لطالما شكلت رمزًا للمناعة النووية الإيرانية.
وقد أظهرت الصور شاحنات إسمنتية وهي تُغلق المداخل الرئيسية، وسط حديث عن جهود لاحتواء ما تبقى داخل المنشأة أو دفن ما لا يُراد الكشف عنه.
ما يزال مصير اليورانيوم المخصب غير واضح. فبحسب تقديرات مستقلة، كانت إيران تمتلك قبل الضربة قرابة 120 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يجعلها على مسافة زمنية قصيرة من امتلاك قنبلة نووية واحدة على الأقل، إذا تم تخصيب الكمية إلى نحو 90%.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أعلنت أن المنشأة "تضررت بشكل كبير"، لم تُصدر حتى اللحظة تقييمًا دقيقًا بشأن ما إذا كانت المواد النووية قد أُخرجت قبيل الضربة، أم أنها دُفنت داخلها بفعل الأضرار.
إنجاز استراتيجي أميركي في معركة لم تُحسم
في مداخلة له ضمن برنامج "التاسعة" على قناة سكاي نيوز عربية، وصف مارك كيميت، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، الضربة بأنها "حققت أهدافًا استراتيجية"، معتبرًا أن منشآت مثل "فوردو" و"نطنز" باتت خارج الخدمة الفعالة على المدى القريب.
كيميت أوضح أن إيران "لم تعد قادرة على العودة إلى التخصيب السريع كما في السابق"، وأن القدرات الإيرانية "تراجعت بشكل ملموس"، رغم أنه أشار بوضوح إلى أن "البرنامج لم يُقبر"، بل إن المخزون من المواد النووية لم يعد في المتناول المباشر، أي أن واشنطن تدرك أن طهران لا تزال تحتفظ بهوامش مناورة.
الرواية الإيرانية
الباحث السياسي الإيراني محمد غروي قلل من أهمية الضربة الأميركية، واعتبرها جزءًا من "البروباغندا السياسية لتبرير التصعيد ضد إيران"، مؤكدًا أن طهران لم تكشف عن كامل أوراقها بعد.
وفي مداخلته ضمن البرنامج ذاته، شدد غروي على أن البرنامج النووي الإيراني "جزء من السيادة الوطنية"، متسائلًا: "إذا كانت واشنطن تعتقد أن الضربة أنهت الخطر النووي، فلماذا لا تُرفع العقوبات؟ ولماذا تواصل الدعوة إلى المفاوضات؟".
من جانبه، وصف رافاييل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الضربة على منشآت إيران النووية بأنها "الأعنف منذ سنوات"، مشيرًا إلى أن البرنامج "تراجع فعليًا"، لكنه حذر من أن غياب التعاون مع طهران قد يفتح الباب أمام سيناريو مشابه لكوريا الشمالية، حيث يتحول الملف النووي إلى مشروع خارج السيطرة والمساءلة.
دعوة غروسي لإعادة فتح قنوات التعاون والتفتيش تحمل تحذيرًا مبطنًا من عواقب استمرار سياسة القطيعة، وتعبّر عن قلق حقيقي من أن تستغل طهران الانشغال الدولي لتمرير نشاطات نووية في أماكن غير معلنة.
من جهته، لم يكتفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتبار الضربة إنجازًا نوويًا، بل ربطها بمشروعه السياسي الأوسع في الشرق الأوسط. وفي تصريحات لافتة، قال إن العملية "فتحت نافذة سلام"، كاشفًا عن اتفاق رباعي بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين بشأن وقف إطلاق النار في غزة، والإفراج عن الرهائن، وتوسيع اتفاقات إبراهام.
وبحسب تسريبات إعلامية، فإن واشنطن تطمح لربط أي تفاهم نووي مع إيران بإعادة تموضع إقليمي يشمل إخراج عناصر حماس من غزة، وضمانات أمنية لإسرائيل، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات.
الخطاب الإيراني الرسمي لا يزال يرفض العودة إلى طاولة المفاوضات في ظل استمرار الضغوط العسكرية والاقتصادية. ويؤكد قادة طهران أن أية محادثات يجب أن تقوم على قاعدة "الندية والاحترام المتبادل".
لكن خلف هذه التصريحات، تشير تقارير استخباراتية إلى أن إيران باشرت خطوات إعادة الانتشار النووي بسرّية، مع احتمال استخدام منشآت بديلة في مناطق نائية أو محصّنة، وربما بدعم تقني روسي وتغطية دبلوماسية صينية.
وتحذر تقارير غربية من أن طهران قد تكون بصدد تخزين كميات من اليورانيوم في مواقع غير مُعلنة، في تكرار لنمط مناورات سابقة سبقت انكشاف منشآت سرية كـ"بارشين" و"تورقوز آباد".
هل نشهد تسوية كبرى أم بداية لمواجهة جديدة؟
في ظل هذا المشهد المتداخل، يصعب الجزم بما إذا كانت الضربة على "فوردو" تمهيدًا لتسوية كبرى، أم أنها مقدمة لموجة تصعيد جديدة. الخطاب المزدوج من الطرفين، والتصريحات المتناقضة، تفتح الباب على سيناريوهات متعددة:
• السيناريو الأول: عودة تفاوضية مشروطة، تُربط فيها التنازلات النووية الإيرانية بترتيبات إقليمية، تشمل غزة والخليج.
• السيناريو الثاني: تصعيد متبادل، قد يتضمن ضربات سيبرانية، اغتيالات، أو تفجيرات دقيقة، في إطار ما يُعرف بـ"الحرب دون الحرب".
• السيناريو الثالث: تجميد غير معلن، تبقى فيه إيران ضمن هامش التخصيب دون الوصول للعتبة، مقابل تخفيف نسبي للعقوبات وتجنب المواجهة الشاملة.
طهران ما بعد "فوردو"
إذا كانت ضربة "فوردو" قد وجهت صفعة قوية للمشروع النووي الإيراني، فإنها لم تُسقطه بالكامل. بل إن الرد الإيراني، سواء عبر تصريحات التحدي أو خطوات إعادة التموضع السرية، يوحي بأن المعركة دخلت فصلًا جديدًا، عنوانه: "النووي بين الأرض وتحتها".
واشنطن تحتفل بما تعتبره انتصارًا، وطهران تصر على أن المعركة لم تنتهِ بعد. وبين هذا وذاك، يقف المجتمع الدولي على حافة أزمة قد تعيد تشكيل موازين الأمن في الشرق الأوسط لسنوات قادمة. فهل تكون الضربة بداية سلام، أم شرارة لحرب نووية مُقنّعة؟ الإجابة لا تزال معلّقة، ريثما تتضح وجهة الصراع: تفاهم جديد، أم انفجار مؤجل.
0 تعليق