من السلاح إلى السلام.. حزب العمال الكردستاني يطوي صفحة العنف

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من السلاح إلى السلام.. حزب العمال الكردستاني يطوي صفحة العنف, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 12:25 مساءً

في مشهد حمل دلالات رمزية ثقيلة، خرج حزب العمال الكردستاني ليعلن حلّ نفسه والتخلي عن الكفاح المسلح ضد الدولة التركية. لحظة وُصفت بـ"التاريخية"، ليس فقط في مسار العلاقة الكردية التركية، بل في كامل الجغرافيا المتشابكة من جبال قنديل إلى شرق الفرات.

فإسقاط البندقية بعد أكثر من أربعة عقود من الدم، يفتح الباب أمام عشرات الأسئلة: لماذا الآن؟ ما مدى جدية الخطوة؟ وما تداعياتها على الساحة السورية، حيث يتداخل الوجود الكردي مع توازنات دولية وإقليمية متشابكة؟

قرار حل الحزب: لحظة ذروة أم انحناء تكتيكي؟

أعلن حزب العمال الكردستاني، عبر تسجيل مصوّر ورسالة سياسية حذرة، إنهاء صراعه المسلح مع الدولة التركية، داعيًا إلى انتقال القيادة السياسية للقضية الكردية نحو الأحزاب المدنية ضمن ما وصفه بـ"مسار الأمة الديمقراطية".

الدعوة لاقت ترحيبًا حذرًا من أنقرة، إذ وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها "خطوة مهمة"، لكنه ربط نجاحها بتنفيذ فعلي يشمل الأذرع السياسية والعسكرية للحزب، لا سيما في سوريا والعراق وأوروبا.

لكن هذه اللحظة لم تكن مفاجئة، كما يوضح الباحث وليد جولي. بل جاءت تتويجًا لمسار طويل من التفاوض والمراوحة، ومسعى بدأ مبكرًا وانقطع عدة مرات بسبب حسابات داخلية وخارجية.

تتويج لمفاوضات طويلة وتحوّل في المزاج الكردي

في تحليل مفصل خلال برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، أكد الباحث ومسؤول العلاقات العامة في مركز الفرات للدراسات وليد جولي أن الخطوة الحالية هي في الواقع "الصفحة الأخيرة من مفاوضات متقطعة بين الحزب والدولة التركية، بدأت منذ عهد تورغوت أوزال في التسعينيات".

ويرى أن المسار التفاوضي مرّ بمحطات أساسية: من 1997 إلى 2005، ثم 2011، إلى لحظة فاصلة في 2013 حين كانت هناك نوايا حقيقية لإطلاق عملية سلام.

غير أن تلك الجهود تعطّلت، وفق جولي، بسبب عوامل إقليمية، أبرزها دخول تركيا في الحرب السورية، ودعمها لفصائل إسلامية متشددة، مما خلق بيئة عدائية جديدة تجاه المشروع الكردي، وخلط الأوراق الأمنية والسياسية.

ويضيف جولي: "ما نشهده اليوم هو تحوّل استراتيجي، بدأ فعليًا بعد حرب غزة الأخيرة (طوفان الأقصى) التي أعادت ترتيب التوازنات الإقليمية وأجبرت أنقرة على مراجعة أولوياتها الأمنية".

ثنائية العاطفة والعقلانية في الداخل الكردي

يطرح وليد جولي قراءة ثنائية دقيقة للمزاج الكردي حيال هذا التحول. فمن جهة، هناك تعلق عاطفي طويل بالحزب وتاريخه النضالي الذي ارتبط بالهوية الكردية لدى شرائح واسعة، ما قد يولّد تحفظات من قواعد شعبية ترى في القرار تخلّيًا عن "الكرامة القومية".

ومن جهة أخرى، تبرز قراءة عقلانية ترى أن الزمن تجاوز فكر الكفاح المسلح، وأن التحولات الجيوسياسية تفرض انتقالا إلى أدوات مدنية وسياسية أكثر فاعلية.

ويشدّد جولي على أن هذا التوازن بين العاطفة والعقل سيكون عنصرا حاسما في نجاح أو فشل المرحلة المقبلة، خاصة في ظل الحاجة إلى خطاب كردي موحّد لا يُفهم على أنه خضوع، بل كتكتيك طويل النفس يعيد صياغة النضال الكردي بطريقة أكثر استدامة.

سوريا.. الامتحان الأكبر لجدية التحول

ربما يكون الامتحان الحقيقي لهذا التحول هو الميدان السوري، حيث يتداخل الملف الكردي مع شبكة مصالح دولية ومحلية معقدة. فـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) – الحليف العسكري الأبرز لواشنطن في محاربة داعش – تُتهم من أنقرة بارتباطها العضوي بحزب العمال الكردستاني. غير أن وليد جولي يرفض التبسيط التركي في هذا الصدد.

ويوضح أن قسد والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تضم أكثر من 30 حزبًا وتيارًا، وأن "الاتحاد الديمقراطي" – رغم تأثره بأفكار أوجلان – لا يخضع تنظيميًا لقيادة الـPKK.

يقول جولي: "الحالة السورية أكثر تعقيدًا. لا يمكن تطبيق النموذج التركي فيها. قسد ليست حزبًا بل مظلة واسعة. والإدارة الذاتية ليست امتدادًا عضويًا لحزب العمال بل كيان سياسي مختلف، حتى لو تشارك معه في بعض الأيديولوجيا".

ويضيف أن قائد قسد مظلوم عبدي سبق وأن أعلن بوضوح استقلالية القرار العسكري والسياسي للإدارة الذاتية، ما يُصعّب على أنقرة استخدام ورقة "حل الحزب" كذريعة لتفكيك الإدارة الذاتية أو تبرير تدخلات عسكرية جديدة.

تقاطعات دمشق أنقرة.. تحالف ظرفي ضد الإدارة الذاتية؟

في قراءة جولي، فإن التقارب بين أنقرة ودمشق – برعاية روسية وإيرانية – قد يتعزز في حال وُظّف إعلان حل الحزب كفرصة لإعادة رسم التوازنات في الشمال السوري. فكل من النظام السوري والحكومة التركية ينظران بعين الريبة إلى "قسد" ومشروع الإدارة الذاتية.

يقول جولي: "قد نرى تقاطع مصالح مصلحي بين دمشق وأنقرة في هذه اللحظة. الطرفان يعتبران مشروع قسد خطرًا استراتيجيًا. والتفاهم بينهما، وإن لم يُعلن رسميًا، قد يتجلى في تسويات ميدانية أو تفاهمات ضمنية على تحجيم الإدارة الذاتية".

لكن هذا السيناريو يصطدم، بحسب جولي، بعامل أساسي: الموقف الأميركي. فواشنطن ما زالت تنشر قواتها شرق الفرات وتربط مصالحها الأمنية بوجود قسد، ما يُصعّب على الأطراف الإقليمية تنفيذ أي مخطط لتفكيك الإدارة دون حسابات دولية دقيقة.

كردستان العراق ترحّب بحذر

في موازاة التطورات، جاء موقف إقليم كردستان العراق – عبر رئيسه نيجيرفان بارزاني – مرحبًا بإعلان حل الحزب، واصفًا الخطوة بأنها "مصيرية"، لكنه دعا إلى خطوات متبادلة تضمن سلامًا شاملاً. هذا الموقف يعكس رغبة الإقليم في نزع فتيل التوترات مع أنقرة، ومحاولة خلق توازن في العلاقة مع باقي المكونات الكردية في المنطقة.

هل تتخلى "قسد" عن السلاح؟ السيناريوهات المفتوحة

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تمهد خطوة الـPKK الطريق أمام "قسد" للتخلي عن السلاح أيضًا؟ من وجهة نظر تركيا، فإن هذا هو الامتحان الحقيقي. لكن جولي يؤكد أن السياق السوري مختلف تمامًا.

"قسد تقاتل ضد داعش، وتدير منطقة شاسعة، وتخوض مفاوضات مع النظام وروسيا وأميركا في آن واحد. لا يمكنها التخلي عن سلاحها الآن دون اتفاق سياسي شامل يحفظ حقوق المكونات المحلية"، يقول جولي.

ويتابع: "ربما يكون هناك تخفيف في الخطاب، أو خطوات رمزية، لكن التخلي عن السلاح في ظل التهديدات التركية والجمود السياسي أمر غير وارد حاليًا".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق