المشاغبة الصفية في المدرسة العمومية عائق عظيم أمام التعلم

أخبارنا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المشاغبة الصفية في المدرسة العمومية عائق عظيم أمام التعلم, اليوم الاثنين 26 مايو 2025 04:04 صباحاً

لا بد أن العوائق الموضوعية التي تعرقل عملية التعلم في الصف الدراسي بالمدرسة العمومية المغربية جمة ومتنوعة الأنماط ومتعددة الخصائص، ويكاد الباحث يضيع بين ثناياها وتفاصيلها لحد يصعب عليه ضبطها وتحليلها وتصنيفها. فمنها ما هو متعلق بمادية المؤسسة أي البنية الفيزيقية والبيئية كالبنيات التحتية للمؤسسة التعليمية من مرافق صحية ومساحات خضراء وحجرات دراسية ومختبرات ومكتبات... وما هو متعلق بالتجهيزات من طاولات وسبورات وكتب ووسائل ديداكتيكية كأجهزة الكمبيوتر والطابعات والسبورات التفاعلية... ومنها ما هو متعلق بالإدارة التربوية وهيئة التدريس...الخ.

ومنها ما هو متعلق بالمتعلم وهو الموضوع الذي يهمنا في هذه الورقة وبالخصوص على صعيد الممارسة داخل الفصل الدراسي في المدرسة العمومية المغربية، وبالأخص سلوك الشغب الذي يؤدي إلى التشويش على العملية التعلمية بأكملها. ولكي نقف على مدى هول الإعاقة التي شكلها "المشاغبة الصفية" لعملية التعلم داخل الصف الدراسي سنقوم بطرح الأسئلة التالية: ما هي الدلالات التي تحيل عليها كلمات المشاغبة الصفية والتلميذ المشاغب داخل الفصل الدراسي؟ وما هي معانيها في مجتمع المدرسة المغربية؟ وما هي طبيعتها؟ وما هو تأثير المشاغبة على من يقوم بها وعلى زملائه وعلى الأستاذ وعلى عملية التعلم إجمالا؟

للإجابة عن هذه الأسئلة سنبدأ بالقول إن كلمة "المشاغبة" في لسان العرب تأتي بمعنى المخاصمة والمفاتنة. والأصل فيها شغب بتسكين الغين وبفتحها وتشغيب بمعنى تهييج الشر. ويأتي الفعل شغب بمعنى شوش على، أي أحدث ضوضاءَ وبلبلةً واختلاطًا في السمع، وشَوَّشَ الأَمْرَ: خَلَّطَهُ وَجَعَلَهُ مُلْتَبِساً، وشوَّش النِّظامَ العامّ: أفسده وأحدث فيه اضطرابًا. وهذه المعاني تجتمع كلها في الممارسة التي نطلق عليها "المشاغبة الصفية" في الفصل الدراسي. ولقد اخترنا كلمة مشاغبة لما تفيده من المشاركة في الفعل وتعدد أطرافه وتكراره واستمراره. كما أن الفاعل في التصريف شغب بكسر الغين ومشاغب، وهو التلميذ الذي يفسد النظام العام داخل الفصل الدراسي ويحدث فيه اضطرابا.

 وغالبا ما يكون التلميذ المشاغب متأخرا عن باقي زملائه في التحصيل الدراسي وغير قادر على مجاراة الحصة الدراسية فهما وإدراكا، وإما مكررا السنة الدراسية أو مستعطفا رجع إلى المدرسة بعد الفصل. ويشكل عدم القدرة على مسايرة إيقاع الفصل الدراسي فراغا وجوديا مهولا بين التلاميذ المسايرين وباقي التلاميذ، يدفعهم إلى الإحساس بالإهمال والإحباط. إن عدم قدرة بعض التلاميذ على ملء هذه الهوة يلجؤون إلى أساليب التمرد والشغب لجلب الانتباه إليهم في نوع من البحث عن تأكيد الذات. ويمكن تفسير المشاغبة في الصف الدراسي على أنها نتاج لإخفاء صورة المشاغب وتمويه لعدم القدرة على مسايرة إيقاع التلاميذ الآخرين داخل الفصل. كما يمكن أن يكون نتاجا لعملية مركبة وشديدة التعقيد نجملها في مفهوم التنشئة الاجتماعية المرتبطة بأسلوب "الفوضوية" الذي يطغى في تربية الكثير من الأطفال والمراهقين. فغالبية التلاميذ المشاغبين ينتمون إلى أسر كادحة منشغلة بتحصيل القوت اليومي أكثر منه بالتربية، تسكن حيا شعبيا صاخبا ومكتظا، وتنظر إلى المدرسة على أنها مؤسسة للضبط الاجتماعي وليست مجالا للمتعة وتحقيق الذات.

يضيع كثير من الجهد والوقت في ضبط الفصل الدراسي، وربما تضيع حصص بأكملها نتيجة المشاغبة الصفية. فعوض تنشيط الحصص في بناء المعرفة وما ينفع التلاميذ يحتاج الأستاذ إلى بذل جهد مضاعف ووقت ليس بالقليل يقتطع من الزمن الدراسي لجلب انتباه التلاميذ وتعبئتهم للمشاركة الفعالة في بناء الدرس أو على الأقل كفهم على تشتيت انتباه زملائهم وإبقاء أجواء الفصل في وضعياتها التربوية. يضطر الأستاذ إلى مقاطعة الدرس باستمرار للتعامل مع سلوكيات التلميذ المشاغب، مما يعرقل سير الحصة، وقد يلجأ الأستاذ -إذا أمكنه ذلك- إلى العقاب أو التسلط بدلاً من الأساليب التربوية الفعالة، مما يُضعف العلاقة التربوية. كما أن كثرة المواجهات اليومية قد تؤدي إلى الإجهاد النفسي للأستاذ وفقدان الحافزية للعمل.

ويؤثر سلوك التلميذ المشاغب سلبا على التلاميذ الآخرين بأشكال عديدة ومختلفة تدخل ضمن أثر الأقران. فالضجيج والسلوك المستفز يشتت الانتباه ويضعف القدرة على التعلم. كما أن أسلوب المشاغبة قد ينتقل عن طريق العدوى الاجتماعية لزملاء يرون في التلميذ المشاغب نموذجا يحتذى به لكونه "جريئا" يملك قدرة على "التحدي" و"قويا" لا يخاف وفي بعض الأحيان "فكاهيا" و"مضحكا" يتقن الاستعراض وفن الظهور. ويمكن أن تتطور هاته السلوكات إلى مواجهات مع الأستاذ تصل إلى درجة العنف الجسدي أو اللفظي كالعدوان أو السخرية وبالتالي تفقد الرسالة التربوية كل معانيها.

لا توجد حلول ميكانيكية لمشكلات المشاغبة الصفية في المدرسة العمومية، كما لا توجد حلول خاصة ينتجها مجال معرفي معين. فالمشكلة بالغة التعقيد والصعوبة وتتجاوز، في اعتقادنا، الأطر المعرفية المتداولة، والتي أنتجتها سياقات أخرى مختلفة ثقافيا واجتماعيا. والكتابة في هذا الموضوع دعوة للباحثين في مختلف المجالات النفسية والاجتماعية والأنثروبولوجية وغيرها إلى الاهتمام بهذه المعضلة التربوية التي تقوض كل إصلاح للمنظومة التربية والتعليم.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق