بسام عبد السميع يكتب: تأملات في شائعة الطائرة الموريتانية

المصرى اليوم 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الاربعاء 28 مايو 2025 | 01:25 مساءً

بسام عبد السميع

بقلم: بسام عبد السميع

في زمن تسبق فيه الكلمة الرصاصة، وتُصنع الصورة قبل أن تُلتقط، ومساء أمس ومع أول ليلة من ذي الحجة لعام 1446هجرية، جاء خبر: "سقوط طائرة تقل حجاجا موريتانيين"، فهز القلوب وأيقظ الأرواح من سباتها.

الخبر -رغم نفيه- لم يكن مجرد "عنوان طارئء" أو "خبر عاجل"، بل كان برقًا روحياً، سرى في الوجدان لا ليُقلق، بل ليفتح بابًا بين السماء والأرض.

هل سقطوا فعلًا؟ وهل هانوا على الله؟

لا والله، بل ارتقوا- لو صحّ الخبر- على هيئة أحبّها الله..ارتقوا محرمين، ملبين، طاهرين.

شائعة الموت هنا لم تكن نذير مأساة، بل بوابة للنعيم. تخيلهم يُبعثون يوم القيامة ملبين، بوجوه مغسولة بالنور، وقلوب معلقة بالكعبة.

شائعة الموت حين ترتبط بالحج، تفقد قسوتها، بل تغدو رجاء. من مات وهو محرم، فقد نال وسام الشهادة، وأكرمه الله بخاتمة لا يُرتجى سواها.

لكن، حين تأتي الشائعة من جهة الدنيا - خبر عن مكافآت، أو وظائف، أو ترقيات - فإن أثرها مختلف تمامًا. فإن ثبتت كذبًا، كُسر قلبٌ كان ينتظر الخلاص من تعب العيش، وإن ثبتت صدقًا، سكن في القلب خوف الفوات وقلق المقارنة. وفي الحالتين، يبقى الألم حاضرًا.

فيا للعجب، كيف تختلف الشائعات في مذاقها؟

شائعة الرحيل إلى الله، تزرع في القلب سكينة الرضا، وشائعة الركض في الدنيا، تزرع وجع الترقّب.

تأمل قليلًا… كيف أن قلوبنا حين سمعت بسقوط الطائرة لم تصرخ، بل تمتمت: "يا رب تقبّلهم"، كيف أن فلوبنا حين سمعت بشائعة "تعيين"، أو علاوة، خفقت بخوف : هل نُسيت أنا؟

شتان بين شائعة تقودك إلى السماء، وأخرى تحبسك في قلق الأرض.

هذه الحادثة (أوالشائعة) تشكل درسا صامتا، يُذكرنا أن أعظم الشائعات هي التي تُخبرك أنك قد تموت الآن، وأنت على طاعة، وأن هذا - لو حصل - فهو أجمل الأخبار، لا أقساها.

لقد أعطتنا الشائعة جناحين، لنُحلّق بخيالنا في فضاء الرحمة، ولنسأل أنفسنا: لو كنت مكانهم… هل كنتُ على حال تُرضي الله؟

هل كنت محرمًا بقلب، حتى وإن لم ألبس الإحرام بثوب؟

الشائعة التي أرعبت الناس، كانت لغيرهم رسالة اطمئنان: أن الدنيا ليست إلا لحظة، وأن الموت إن جاء في طاعة، فلا خوف ولا حزن.

أما شائعات الدنيا، فغالبًا ما تُهلكنا إن كانت كاذبة، وتُثقلنا بمخاوف الفوت إن كانت صادقة. وفي كلا الحالين لشائعة الدنيا، أنت أسير، لا طليق.

فلنختر إذن أي "شائعة" ننتظر، وأي "خبر" نحب أن يُذاع عنا يوم نُذكر لأول مرة في السماء…

"فلان خرج من الدنيا، وهو يُلبي"أم "فلان ينتظر مكافأة… لم تأتِ بعد". والسؤال الآن : أيهما أعظم؟

الأولى : نهاية، لكنها بداية الخلود. وأما الثانية: بداية قلق، بلا نهاية.

في زمن يتغير فيه كل شيء بكبسة زر، تبقى بعض الشائعات أبوابًا من نور، تأخذنا إلى معنى لم نكن نراه.

وشائعة الطائرة الموريتانية، إن لم تكن حقًا قد وقعت، فقد كانت إشارة من السماء: أن الرحيل في طاعة، هو المكافأة الأسمى.

فليت الشائعات كلها… تحمل هذا النور.

كل عام أنتم بخير، فقد بدأت أيام الخير . فهل استعدت قلوبنا، وهل غيرت هذه الشائعة شيئاً في نظرتنا للحياة والموت؟ 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق