نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العمل البلدي في لبنان: عائلي بالتراث حزبي بالمصلحة, اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025 05:12 صباحاً
مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في لبنان، يعود إلى الواجهة سؤال قديم جديد: هل العمل البلدي في لبنان هو امتداد للنفوذ العائلي، أم أنه بات أداة بيد الأحزاب لمد نفوذها المحلي؟ في بلد تُشكّل فيه العائلة والزعامة المحلية ركيزة الاجتماع السياسي، يقف الناخب أمام مشهد معقّد تتداخل فيه العصبية العائلية مع الحسابات الحزبية والطائفية.
تاريخيًا، شكّلت العائلات القوية في القرى والبلدات اللبنانية محور الحياة البلدية. فالبلدية كانت ولا تزال واجهة النفوذ العائلي ومجالاً لتأكيد الزعامة المحلية. في كثير من المناطق، لا تزال التحالفات تُبنى على أساس "من هو ابن الضيعة"، وليس بناءً على برنامج إنمائي أو سياسي.
لكن هذا النموذج بدأ يتغيّر تدريجياً، خاصة بعد الحرب اللبنانية، حين بدأت الأحزاب السياسية بمدّ نفوذها إلى العمل البلدي، مستفيدة من قدراتها المالية والتنظيمية، وعجز الدولة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات.
منذ تسعينات القرن الماضي، دخلت الأحزاب السياسية بقوة إلى المجالس البلدية، وبدأت تُرشّح لوائح حزبية بغطاء "إنمائي". وقد ظهر هذا التحوّل بوضوح في المدن الكبرى مثل بيروت وطرابلس وصيدا، حيث صارت الانتخابات البلدية معركة سياسية بامتياز.
وبات من المألوف أن تتحوّل المجالس البلدية إلى "بؤر نفوذ حزبي"، تستخدمها الأحزاب لفرض حضورها في الشارع، وتأمين وظائف ومشاريع للمناصرين، أو حتى كمنصات لتمويل نشاطاتها عبر الصفقات والمقاولات.
غير أن الواقع اللبناني أكثر تعقيدًا من أن يُختزل في ثنائية "عائلة vs حزب". فغالبًا ما نشهد تحالفات هجينة، تجمع العائلات بالأحزاب في لوائح انتخابية موحدة، تضمن نفوذ الطرفين. في بعض الحالات، تكون العائلة واجهة اجتماعية، فيما يدير الحزب الكواليس. وفي حالات أخرى، تستفيد العائلة من الحزب لتثبيت سلطتها التاريخية.
هذا التداخل أنتج مشهداً سياسياً مشوهاً، يصعب فيه محاسبة البلديات على أساس برامج واضحة، إذ تتداخل فيها الولاءات الشخصية، الطائفية، والحزبية، في إطار غير شفاف من العمل العام.
العمل البلدي من المفترض أن يكون خارج الاصطفاف السياسي التقليدي، لأنه يرتبط مباشرة بالحاجات اليومية للمواطن: من مياه وكهرباء ونفايات، إلى بنى تحتية ومشاريع تنموية.
لكن الواقع في لبنان يختلف. فحتى الزفت أصبح له لون سياسي، والمشروع التنموي يُنجز حسب الجهة الداعمة، لا حسب الأولوية. وغالبًا ما تكون البلديات رهائن صراعات أكبر منها، بين أحزاب أو مرجعيات دينية أو أمنية.
اليوم، وفي ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي، تواجه البلديات تحديات كبيرة. لا موازنات، ولا موارد، وأحيانًا لا موظفين. ومع ذلك، هناك فرصة لإعادة تعريف العمل البلدي كمساحة للمشاركة الشعبيّة، والتنمية المحليّة، بعيدًا عن الاحتكار العائلي أو الحزبي، فعلى سبيل المثال، تقول مصادر متابعة لانتخابات بلدية بيروت أنّ المشكلة التي تُعاني منها هذه البلدية بشكل دائم هو التدخل الحزبي بغطاء طائفي، فكانت اللوائح تُركب على أساس المناصفة والتمثيل الحزبي للجميع، وبعد وصول المجلس البلدي بأسابيع تبدأ الخلافات بين الأحزاب التي لا يوجد شيء قادر على جمعها سوى المصلحة الإنتخابية، وبعد سقط المصلحة تعود الخلافات فيدفع أهل بيروت الثمن غالياً.
في لبنان، العمل البلدي ليس فقط إدارة شؤون محلّية، بل هو انعكاس لصراع النفوذ بين العائلة، الحزب، والطائفة. والناخب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مدعو ليدقّق في الخيار: هل ينتخب من "يعرفه"، أو من "يخدمه".
0 تعليق