«تريندات» مستحضرات تجميل للأطفال.. مظاهر سطحية بمعايير «زائفة»

الإمارات اليوم 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«تريندات» مستحضرات تجميل للأطفال.. مظاهر سطحية بمعايير «زائفة», اليوم الخميس 26 يونيو 2025 12:22 صباحاً

حذّر أطباء ومتخصصون من الإقبال المقلق للأطفال على استخدام مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة، في ظاهرة وصفوها بـ«الهوس المبكر بالجمال» الذي لا يهدد البشرة فحسب، بل يمتد أثره ليطال التوازن النفسي للأطفال وهويتهم في طور التكوّن، مؤكدين أن هذا التوجه المتنامي تغذيه «تريندات» تسويقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقودها شركات تهدف إلى تحقيق أرباح تجارية بحتة، من دون مراعاة خصوصية المرحلة العمرية التي تستهدفها أو المخاطر الصحية المحتملة.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن بعض هذه الشركات يعمد إلى تخصيص أقسام لمنتجات تجميل «خاصة بالأطفال»، تحتوي في كثير من الأحيان على مواد فعالة، مثل الريتينول والأحماض المقشرة كالجلايكوليك والبارابين، وهي مركبات قد تضر ببشرة الطفل الحساسة، وتسبب التهابات وتحسساً، أو حتى مشكلات جلدية طويلة الأمد.

وأضافوا أن الأخطر من ذلك هو ما تُحدثه هذه المنتجات من أثر نفسي خفي، حيث تبدأ الطفلة في ربط مظهرها الخارجي بقيمتها الذاتية، فيتحول الجمال إلى معيار أساسي للقبول الاجتماعي، ويسبب اضطرابات نفسية، مثل انخفاض الثقة بالنفس، وعدم الاتزان الشخصي، وصولاً إلى القلق والاكتئاب، على حساب القيم الحقيقية، مثل الثقة بالنفس، والإبداع، والذكاء، والروح.

ودعوا الآباء والأمهات إلى تحمّل مسؤولية التوعية، واحتواء هذا الانجراف المبكر، من خلال تعليم أطفالهم أن العناية بالنفس يجب أن تكون لأجل الصحة والراحة، لا تقليداً أو استجابة لضغط «تريندات» لا تناسب أعمارهم.

وطالبوا بتفعيل الرقابة الذاتية في المنزل، كما دعوا إلى ضرورة فرض ضوابط صارمة على تسويق منتجات التجميل الموجهة للأطفال، ومنع الترويج لها دون مراجعة مكوناتها وخلوّها من المواد الضارة، مؤكدين أن حماية الطفولة يجب أن تبقى فوق المصالح التجارية المؤقتة.

bوتفصيلاً، حذر استشاري الأمراض الجلدية والبروفيسور في كلية الطب بجامعة الإمارات، الدكتور إبراهيم كلداري، من الاستهداف المتزايد للأطفال، من الفئة العمرية بين ثماني و10 سنوات، من قِبل شركات مستحضرات التجميل، والذي بات يتخذ طابعاً تجارياً بحتاً، يهدف إلى الربح، من دون مراعاة لصحة الأطفال وبشرتهم.

وأكد أن بشرة الأطفال في هذه المرحلة العمرية لاتزال في طور النمو، وتتميز بحساسية شديدة، ولا تتحمل المركبات الكيميائية القوية، مثل الريتينول والأحماض المقشرة كالجلايكوليك، التي قد تسبب التهابات، وتحسساً، وحتى ظهور بقع داكنة دائمة على البشرة.

وأوضح أن ما يحتاج إليه الطفل في هذه المرحلة هو فقط منتجات خفيفة وملائمة، مثل مرطبات بسيطة، وشامبو وغسول لطيف، وواقي شمس مناسب للأطفال وخالٍ من المواد الضارة، وكل ما هو خارج هذا الإطار لا يُعدُّ إلا نوعاً من الاستهلاك غير الضروري، وقد يعود بنتائج سلبية على صحة الجلد.

وشدد على أن طبيعة الجلد أحياناً تميل إلى الجفاف، واستعمال المقشرات أو المواد الكيميائية يزيد هذا الجفاف، ويُعرّض الطفل للإكزيما ومشكلات جلدية مزمنة قد تستمر معه سنوات لاحقة.

ودعا الأهالي إلى ضرورة توعية أطفالهم بمخاطر الانجرار وراء «تريندات» مستحضرات التجميل المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غالباً ما تروج لمنتجات لا تعتمد على مكونات طبيعية أو مدروسة علمياً، وتستهدف الأطفال بصورة غير مسؤولة.

وطالب الجهات المختصة بتشديد الرقابة على دخول مثل هذه المنتجات إلى الأسواق، والتأكد من مطابقتها للمعايير الصحية، وخلوّها من أي مواد كيميائية قد تضر بالأطفال، إضافة إلى إلزام تلك الشركات بتسجيل هذه المنتجات في الأنظمة الصحية الرسمية قبل تسويقها واستعمالها.

دروس تعليم المكياج

وقال أستاذ واستشاري الأمراض الجلدية، الدكتور أنور الحمادي، إن العالم اليوم بات بمثابة «قرية صغيرة»، بفضل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل مقاطع الفيديو التي تروّج لمستحضرات التجميل تصل إلى الأطفال في مختلف أنحاء العالم، وتؤثر في سلوكياتهم وقراراتهم.

وأوضح أن التأثير يبدأ من البيئة المحيطة، فحين ترى الطفلة والدتها تزور متاجر التجميل، تتولد لديها رغبة في تجربة تلك المنتجات، ويزداد هذا التأثير مع متابعة الأطفال لمحتوى مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً ما يعرف بـ«جلسات الميك اب» أو «دروس تعليم المكياج»، حيث تتشبع عقولهم بصور وأفكار قد لا تتناسب مع أعمارهم.

وأشار إلى أن هدايا الأطفال، لاسيما البنات ممن تجاوزن سنّ الثامنة، أصبحت تتضمن مستحضرات تجميل بدلاً من الألعاب، بل وأصبحت قوائم الأمنيات لديهن تضم منتجات تجميلية من علامات تجارية معروفة، في ظاهرة تعكس نوعاً من الهوس بمستحضرات التجميل والتقليد بين الصديقات.

وشدد على أهمية التمييز في اختيار المنتجات المناسبة للفئة العمرية الصغيرة، مؤكداً أنه يُفضل التركيز على مستحضرات العناية، مثل المرطبات أو واقيات الشمس، والابتعاد عن المنتجات القوية، مثل مقشرات الوجه والشفاه، التي قد تُلحق الضرر بالبشرة الحساسة للأطفال.

وأكد أهمية دور الأسرة، خصوصاً الأم، في مواجهة تلك الظاهرة المتزايدة، وتعزيز الرقابة الذاتية داخل المنزل، وتوجيه الأطفال لاستخدام المنتجات الصحية والآمنة، قبل أن يكون هذا الدور من مسؤولية الجهات الرقابية الرسمية.

قبول اجتماعي

من جانبها، أوضحت أخصائية علم النفس السريري، ريتا دحدل، أن انجراف الأطفال نحو استخدام منتجات العناية بالبشرة في سن مبكرة لا يرتبط فقط بالتأثير التجاري، بل يمتد إلى دوافع نفسية أعمق تتعلق بتكوين الهوية والشعور بالاستقلال، حيث إن الأطفال في مرحلة أواخر الطفولة وبداية المراهقة، يبدأون في بناء تصوراتهم عن الذات، وتصبح لديهم رغبة في الشعور بالنضج والانتماء والقبول الاجتماعي، وهو ما توفره لهم ظاهرياً روتينات العناية بالبشرة.

وأكدت أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مباشراً في تغذية هذا السلوك، حيث تقدم هذه المنتجات على أنها رمز للثقة بالنفس، والعناية الذاتية، وحتى الجاذبية الاجتماعية، ما يجعل الأطفال، وهم الأكثر تأثراً، ينظرون إلى هذه الممارسات كجزء من هويتهم الجديدة.

وحذّرت من أن الإفراط في الانشغال بالمظهر الخارجي قد يؤدي إلى ربط تقدير الذات لدى الأطفال بالمظاهر السطحية فقط، ما يضعهم في دائرة مستمرة من السعي للتأكيد الخارجي والقبول من الآخرين، وهذا النوع من التقدير الذاتي الهش قد تنتج عنه لاحقاً مشاعر القلق، وعدم الرضا عن الجسد، والمقارنات المستمرة مع الآخرين، وهي عوامل تؤثر في الصحة النفسية والنمو العاطفي للأطفال بشكل عميق وطويل الأمد.

ودعت الأهل إلى أن يكونوا الرافعة النفسية الأولى لأطفالهم، من خلال التركيز على الجوانب الجوهرية من شخصية الطفل، مثل اللطف، الذكاء، الإبداع، والمرونة، بدلاً من الثناء المتكرر على الشكل الخارجي، فبناء ثقة داخلية قوية هو خط الدفاع الأول في وجه الضغوط المجتمعية.

ونصحت بضرورة تعليم الأطفال التفكير النقدي تجاه الرسائل التي تبثها منصات التواصل، خصوصاً تلك التي تروّج لمعايير جمال غير واقعية، ومدفوعة بمصالح تجارية، كما أن الحد من المحتوى البصري الذي يركز على الشكل، وتشجيع الطفل على متابعة نماذج متنوعة وأكثر واقعية، يسهم في خلق توازن صحي بين الذات الحقيقية والصورة الخارجية، كما أكدت أن الأهل يُعتبرون قدوة لأطفالهم، ويجب أن يُظهروا سلوكاً متوازناً يُبرز أن العناية بالنفس تهدف للصحة والراحة، وليس لتحقيق الكمال الشكلي، فالمظهر الخارجي لا يُمثل إلا جزءاً بسيطاً من قيمة الإنسان الحقيقية.

اضطرابات نفسية

كما أكدت الأخصائية النفسية، مرام المسلم، أن هناك دوافع نفسية عدة تقف خلف انجراف الأطفال نحو استخدام مستحضرات العناية بالبشرة، أبرزها ما يُعرف بـ«النمذجة»، وهي تقليد الأشخاص الذين يحبهم الأطفال أو يعتبرونهم قدوة، سواء كانوا من أفراد الأسرة أو المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، قائلة: «عندما يرى الطفل شخصاً يُعجَب به يستخدم منتجاً معيناً، فإنه يميل إلى تقليده، سواء كانت هذه السلوكيات إيجابية أم سلبية».

وأشارت إلى أن مستحضرات التجميل باتت تمثل لدى بعض الأطفال وسيلة لإثبات الذات، والشعور بالانتماء إلى فئة «الأناقة والجمال»، فضلاً عن كونها تعكس حب الاستكشاف والرغبة في العناية بالمظهر، وهي دوافع تتعزز بتأثير المحتوى الرقمي الموجَّه عبر المنصات الاجتماعية.

ونبّهت إلى أن تلك المنصات فرضت معايير غير واقعية للجمال، وضعت الأطفال والمراهقين داخل «قوالب شكلية» مشوهة، تقوم على المقارنة والتقليد، وتغرس في أذهانهم أفكاراً غير صحية حول الشكل والمظهر، قائلة: «كلما زاد تعرض الأطفال الصغار لمنصات التواصل، زادت مشاعر النقص والقلق والتوتر لديهم بشأن مظهرهم، ما يُضعف تقديرهم لذواتهم الحقيقية».

وأضافت أن الانجراف المفرط نحو مستحضرات التجميل في هذه المرحلة العمرية الحساسة قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية، مثل انخفاض الثقة بالنفس، وعدم الاتزان الشخصي، وصولاً إلى القلق والاكتئاب، وهو ما قد يدفع بعضهم إلى طلب العلاج النفسي في سن مبكرة، خصوصاً إذا لم يتمكنوا من تحقيق الصورة الجمالية الزائفة التي تروّج لها تلك المنصات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق