نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : غلاء الأسعار يُساوي ركود الاستهلاك وتباطؤ النمو, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 12:10 صباحاً
نشر في الشروق يوم 29 - 05 - 2025
رغم أن عوامل النمو الاقتصادي عديدة ومتنوعة، إلا أن الاستهلاك يظل أحد أبرز مقوّماته باعتبار ان الحركية الاستهلاكية قاطرة تجرّ وراءها كل عجلات الدورة الاقتصادية. فالاستهلاك يخلق الطلب على السلع والخدمات ويُحرك بالتالي عجلة الإنتاج وينعش الوضع المالي للمؤسسات ويخلق مواطن شغل إضافية.. كما أنه ينشط قطاع الصناعة الموجهة للاستهلاك المحلي وأيضا قطاع الخدمات كالنقل والسياحة والترفيه وكذلك قطاع التجارة. وأثبتت التجربة في عديد الدول ان انتعاش الاستهلاك يؤدي إلى ارتفاع نسق النمو الاقتصادي وتطوير الناتج المحلي الإجمالي وإلى إرساء الاستقرار الاجتماعي.
في تونس، بدأت تبرز في الأشهر الأخيرة بوادر انكماش استهلاكي لعدة أسباب، وهو ما أصبح يلقي بظلاله على نسبة النمو الاقتصادي وعلى الوضع الاجتماعي. فإحجام المواطنين عن شراء السلع يعني ركود نشاط الإنتاج الصناعي والفلاحي وتراجع أرباح المنتجين، ويعني أيضا ركود قطاع الخدمات وتراجع مداخيله فضلا عن ركود النشاط التجاري. وكل ذلك سيؤدي الى نتائج أخرى سلبية في مقدمتها تقلص مواطن الشغل بما ان المؤسسة التي تعاني من ركود استهلاك منتجاتها تصبح غير قادرة على توسعة نشاطها وعلى مزيد الاستثمار والانتداب وهو ما تكون له انعكاسات اجتماعية خطيرة.
تتعدد أسباب تراجع الاستهلاك في تونس وفي مقدمتها غلاء الأسعار. فأسعار مختلف السلع والمنتجات الفلاحية والصناعية والخدمات أصبحت تشهد اليوم ارتفاعا غير مسبوق وخروجا عن سيطرة الرقابة. وتبعا لذلك أصبح كثيرون "يُضحّون" بعدم شراء عديد المنتجات حتى وإن كانت أساسية في القفة الاستهلاكية اليومية على غرار اللحوم الحمراء والأسماك والغلال وبعض أصناف الخضر. وطالت "التضحية" أيضا بعض المنتجات الصناعية الغذائية وغير الغذائية والمنتجات الخدماتية على غرار الترفيه والسياحة والصحة وغيرها، ومن الطبيعي ان تكون لذلك تداعيات اجتماعية وصحية خطيرة.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت بنسب متفاوتة في تراجع الاستهلاك القانون الجديد للشيكات الذي أجبر كثيرين على إلغاء بعض المشتريات بعد أن وقع التخلي عن آلية الدفع بالتقسيط بواسطة الشيكات. فقد كان "شيك الضمان" (رغم أنه ممنوع منذ القانون السابق) يمثل متنفسا للمستهلك عند اقتناء بعض حاجياته مع تأجيل الدفع الى حين توفر السيولة لديه، وكان ذلك يساعد على تنشيط الحركية الاستهلاكية في البلاد في كل القطاعات باعتبار ان دورة الشيكات كانت تشمل كل الحلقات من المنتج الى المستهلك النهائي، ولم يقع إيجاد بدائل واضحة لذلك خصوصا في ظل تواصل صعوبة النفاذ الى قروض الاستهلاك..
ومن الأسباب الأخرى لتراجع الاستهلاك في تونس ضعف المداخيل المتأتية من الأجور وغيرها. فأغلب المداخيل لدى مختلف الطبقات الاجتماعية أصبحت غير مواكبة لغلاء الأسعار بدليل ان أغلب الأجور الشهرية لم تعد تكفي إلا لتغطية نفقات الأسبوعين الاولين من الشهر على أقصى تقدير. وتبعا لذلك يضطر الأجير الى الامتناع عن الإنفاق وعن الاستهلاك طيلة المدة المتبقية وهو ما يؤدي حتما الى ركود اقتصادي يبدأ من المنتج وصولا الى بائع التفصيل ويؤدي الى ركود اقتصادي شامل فضلا عن التداعيات الاجتماعية والصحية التي ستترتب عن ذلك باعتبار ان تراجع الاستهلاك يؤدي الى عدم الاستقرار الاجتماعي والعائلي.
تحتاج تونس اليوم الى حلول وآليات لتنشيط الحركية الاستهلاكية حتى يقع دفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق التوازن المالي للمؤسسات وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. ولا يمكن ان يتحقق ذلك إلا بتوجه الدولة بشكل جدي وحازم نحو القضاء على أسباب الركود الاستهلاكي وفي مقدمتها الضغط على الأسعار من خلال تكثيف الرقابة والردع. ويحتاج تنشيط الاستهلاك أيضا إعادة النظر في القانون الجديد للشيكات الذي أثر أيّما تأثير على جل القطاعات مع توقع تفاقم هذه التأثيرات في الفترة القادمة. كما ان مراجعة شبكات الأجور في القطاعين العام والخاص من شأنها أيضا أن تساهم في دفع الدورة الاستهلاكية. أما إذا ما تواصل الوضع على ما هو عليه من انفلات الأسعار وانكماش الاستهلاك فإن النتيجة لن تكون سوى ركود النمو الاقتصادي وعدم الاستقرار الاجتماعي..
فاضل الطياشي
.
0 تعليق